هل يمكن لقاء الإمام صاحب الأمر (عليه السلام) ورؤيته في هذا الزمان ؟

, منذ 1 اسبوع 187 مشاهدة

إنّ رؤية الإمام المعصوم (عليه السلام) ومشاهدته بالبصر مطلقاً سواءً كان في زمن الحضور أو الغيبة من الممكن الذاتي الذي لا استحالة فيه عقلاً لوجود المقتضي وعدم المانع، فانه جسم يأخذ حيزاً في الوجود طولاً وعرضاً وعمقاً ومع سلامة حاسة البصر ووجود النور قابل للانعكاس في عدسة البصر، فيكون قابلاً للرؤية البصرية.

وأما رؤية البصرية في زمن غيبته هل من الممكن الوقوعي؟

ذهب من ذهب بقول شاذ إلى عدم إمكان وقوعه فكان من النافين تمسكاً بخبر واحد والتوقع والمروي عن صاحب الزمان (عليهم السلام) بسند شيخ الطائفة في غيبته والشيخ الصدوق في كمال الدين.

وأما المشهور من علماء الطائفة فإنهم من المنتسبين قالوا بإمكانه الوقوعي وتحقق ذلك في عصر الغيبة الكبرى في الجملة تمسكاً بوجوه:

الأول: الاخبار والحكايات الصادقة الكثيرة المتواترة القطعية التي لا يمكن إحصائها لكثرتها، وتدل على وقوع المشاهدة، وتشرف البعض بدرك فيض زيارته ومحضره، والتواتر القطعي مما يفيد العلم، وانه من النّص ولا يقاومه الظن والظهور.

الثاني: ما اتفق الكل عليه ظاهراً حتى الشيخ ناقل هذا التوقيع من مشاهدة جماعة كثيرة إياه.

الثالث: المناقشة في التوقيع سنداً ودلالة فإنه ما ذكر من التوقيع والخبر إنما هو خبر واحد مسل ضعيفه لم يعمل به ناقله وهو الشيخ في الكتاب المذكور ولنقله جملة من مشاهد الإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة الكبرى.

الرابع: قد أعرض الأصحاب عن الخبر فيسقط عن الاعتبار فلا يعارض الوقايع والقصص والأخبار التي يحصل القطع عن مجموعها، وبل من بعضها المتضّمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره (عليه السلام).

الخامس: وجود طائفة من الروايات المعارضة الدالة على وقوع الرؤية البصرية في زمن الغيبة الكبرى.

ومن الاعلام كما هو المشهور من يرى التعارض بين الخبر وبين الحكايات المتواترة القطعية الدالة على وقوع المشاهدة، ويحاول أن يرفع التعارض مهما أمكن بذكر وجوه للجمع، ومنهم من يرى عدم التعارض والتنافي في المصداق والدّلالة بذكر وجوه أخرى، هذا اجمالات وأما تفصيل ذلك:

أما دليل القول الأول النافي للرؤية البصرية في زمن الغيبة الكبرى مطلقاً متمسكاً بما رواه الشيخ الطوسي قدّس سرّه في الغيبة: في كتاب منتخب الأثر(٦): ٢١٧ عن جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبي محمد أحمد بن الحسن المكتب قال كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الشمري قدّس سرّه فحضرته قبل وفاته، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد الشمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك، ولا توحى إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة المامة (الثانية) فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، وهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟ قال فنسحب هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلّما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فصل له من وصيّك من بعدك؟

فقال: لله أمرهم بالغه وقضى فهذا آخر كلام سمع منه رضي لله عنه وأرضاه.

أقول هكذا وجدت الخبر في النسخة الموجودة عندي من غيبة الشيخ، ونقله في جنة المأوى عن الشيخ والطبرسي مثلما نقلنا عند غير انه نقل (وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة، إلّا فمن أدّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر) وفي نص الكتب (وسيأتي في شيعتي) انتهى كلامه.

وقال صاحب منتخب الأثر آية الله الشيخ لطف الله الصافي في الهامش وهو خرّيت هذا الفن وفي المجال المهدوي.

ربما يقال بأن هذا التوقيع بظاهره ينافي الحكايات الكثيرة المتواترة القطعية التي لا يمكن إحصائها لكثرتها، وتدل على وقوع المشاهدة، وتشرف البعض بدرك فيض زيارته، ومحضره وينافي أيضاً ما اتفق الكل عليه ظاهراً حتى الشيخ ناقل هذا التوقيع من مشاهدة جماعة كثيرة إياه، وقد ذكروا لرفع التنافي أو الجواب عن هذا الخبر وجوهاً، ذكر الستة منها في جنة المأوى، فهما: ما عن المجلس في البحار وغيره، وهو: أن سياق الخبر يشهد بأن المراد من ادعاء الماهوت ادعائها مع النيابة والسفارة والعيال الاخبار من جانبه إلى الشيعة على قول السفراء في الغيبة الصغرى، وهذا الوجه قريب جداً ومنها: إنه خبر واحد مرسل ضعيف لم يعمل به ناقله وهو الشيخ في الكتاب المذكور، واعرض الأصحاب عنه، فلا يعارض تلك الوقايع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها، وبل من بعضها المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صورها من غيره (عليه السلام).

أقول: وهذه الكرامات والمفاخر هن من علائم الإمامة وكونه الإمام المهدي (عليه السلام) بعينه، فإنها لا تأتي من غير الإمام المعصوم (عليه السلام)، فمن رآه بالبصر شاهد منه هذه الكرامات والمفاخر علم أنه أمام زمانه، كما هو (عليه السلام) في بعض الوقائع يخبر بذلك، ويعرّف المشاهد بأنه إمام زمانه، كما في قصة الرّمانة الشيخ محمد بن عيسى البحراني ولقاءات السيد مهدي بحر العلوم قدّس سرّه ففي قصة الرمانة: (البحار: ٥٢: ١٧٩) (... فقال: يا محمد بن عيسى: اما صاحب الأمر فاذكر حاجتك، فقال إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك، فقال له: نعم خرجت لما وهمكم من أمر الرّمانة، وما كتب عليها، وما أوعدكم الأمير به، قال: فيما سمعت ذلك توجّهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا)..

وأما وجه الاستدلال بالخبر لمن نفى الرؤية في الغيبة الكبرى مطلقاً.

أولاً: قوله (عليه السلام) (فلا ظهور الأبعد إذن الله تعالى ذكره، فإطلاقه مع لا النافية والاستثناء يدل على نفي الظهور، ومنه الرؤية مطلقاً، فإنها من مصاديق الظهور.

وثانياً: قوله (عليه السلام) (سيأتي الشيعي من يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر)، فإطلاقه تعم جميع من يدعي الرؤية والمشاهدة فهو كذاب أي كثير الكذب ومن تاب التأكيد المعنوي وصف بالافتراء أيضاً.

ويرد عليه في كلا الوجهين:

أولاً: مما من مطلق إلا وقيد كما ما من عام إلّا وخص، فيقيد الاطلاق بالقرائن المقالة اللفظية لتعلم أو المنفصلة والحالية المقامية كالسياق، أو بالانصراف لغلبة الاستدلال أو كثرته، وفي الخبر قرنية حالية من جهة دلالة السياق، وكذلك الانصراف إلى أن المراد من دعوى المشاهدة أي دعوى السفارة والوصاية والوكالة كما كان للسفراء الأربعة من قبل، وهذا المعنى ما أشار إليه كبار الأعلام حتى من ينقل الخبر والتوقيع الشريف كما أنه من أقرب الوجوه لرفع التعارض بين التوقيع والأخبار المتواترة كما سيأتي.

وثانياً: الظاهر، والظواهر حجة - من قوله (عليه السلام) (فلا ظهور) أي ما يقابل الحضور والوصال كما كان في الغيبة الصغرى كما أن كلمة الظهور لغلبة الاستعمال وكثرته كما في الروايات الأخرى إنما يقصد منه الحضور العادي الذي يكون في كان لآبائه الطاهرين من كونه أمام حاضره بل في الغيبة أصبح إماماً غائباً، وهذا لا يعني أنه لا يراه أحد ويتحيل وقوع ذلك. ومن البعيد أن يكون الرؤية البصرية من مصاديق الظهور في مثل هذه الأخبار التي تتحدث عن الظهور العادي، فتدبّر.

الثالث: قوله (عليه السلام) (سيأتي شيعي) بظاهره يدل على أن الذي يأتي للشيعة ليس منهم كما لو كان من المنافقين ويدعي المشاهدة وأنه جاء بكم أو أمر أو نهي من قبل صاحب الزمان (عليه السلام) فهذا كذّاب مفتر، وهذا لا يدل على أنه من الشيعة كذلك لو أدعى المشاهدة مطلقاً فهو كذّاب، كيف وممن ادّعى المشاهدة أمثال سيدنا السيد مهدي بحر العلوم قدّس سرّه كما في كتاب (قصص العلماء: ٢٨٧) كما أخبر به زميله المحقق الميرزا القمي صاحب كتاب القوانين قدس سرهما، وان قال: وإن كان لكل منك إنك تكذبني.

الرابع: المناقشة في السند لإرسال الخبر أو لإعراض الأصحاب.

الخامس: الاضطراب في النقل فما يوجب الوهن والضعف في الخبر، فإنه نقل تارة (سيأتي شيعي) وأخرى (سيأتي من شيعتي) وثالثه (سيما في شيعتي) وكم فرق بين النقولات كما هو واضح عند أهله.

السادس: وجود قرائن من الروايات تدل على رؤية الإمام في غيبته الكبرى وهي يعارض الخبر التوفيقي المناقش فيه سنداً ودلالة مما يوجب.

ومنها ما تدل أنّ هناك جماعة معه يزيلون وبقشته، ومنها ما تدل على الارقاد والأبدال والصالحين المعروف عنه الزمان القلب وختم في خدمة صاحب الأمر (عليه السلام).

تقديم تلك الطوائف من الاعتبار، والتي منها ما تدلّ على أصل الرؤية إلا أنه يعرفهم ولا يعرفونه، ومنها ما يدل على لقاء الخضر به.

١ - الشيخ الصدوق في إكمال الدين سنده عن زرارة قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: يفتقد الناس إمامهم فيشهدهم الموسم، فيراهم ولا يرونه(1) ومن لا يعرفونه.

٢ - الصدوق بسنده عن ابن فضال عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن الحضر شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصدر، وإنه ليأتينا فيسلم علينا، فنسمع صوته، ولا نرى شخصه، وإنه ليحصر حيث ذكر، فمن ذكره معكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر المواسم فيقض جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا (عليه السلام) في غيبته، ويصل به وحدته(2).

٣ - الصدوق بسنده عن محمد بن عثمان العمري قال: سمعته يقول: والله إنّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة، خبري الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(3).

٤ - غيبة الشيخ الطوسي بسنده عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبتا احداهما تطول حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر سير، لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره المولى الذي يلي أمره.

٥ - غيبة الشيخ الطوسي بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لابدّ لصاحب هذا الأمر من غرامة، ولابد في عزلته من قوة، وما بثلاثين من وحشة، ونعم المنزل الطيبة، ورواه الكليني عن الوشاء، ومثله عن محمد بن مسلم.

بيان من العلامة المجلسي قدّس سرّه : الفرقة - بالضم - اسم للاعتزال، والطيبة اسم المدنية الطيبة، فيدل على كونه (عليه السلام) غالباً فيها وفي حواليها، وعلى أن معه ثلاثين من مواليد وخواصّه، إن مات أحدهم قام آخر مقامه.

أقول: وربما ما نقرره في زيارة آل يس (السلام عليك حين تقرأ وتبين) يكون اشارة إلى هؤلاء الذين هم مع الإمام (عليه السلام) يقرأ عليهم ويبين لهم، كما يحتمل أن يكونوا من رجال الغيب الذي يشير إليهم الشيخ الكفعمي في مصباحه من الأوتاد الأربعة والابدال السبعة والصالحين السبعين، وإذا مات من الاوتاد يلتحق بهم من خيرة الأبدال، ثم انما خيرة الصالحين بالأبدال، ومن خيرة الناس بالصالحين، والله العالم.

٦ - غيبة الشيخ بسنده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلما نزلنا الرّوحاء: نظر لي جبلها مثلاً عليها، فقال لي ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعي رضوي من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا، أما إنّ فيه كل شجرة مطعم، ونعم أمان الخائف مرتين أما إن لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين واحدة قصير والأخرى طويلة.

أقول: وربما ما جاء في دعاء الندبة إشارة إلى ذلك (ليت شعري أين استقر بك النوى - أبرضوى أم وي طوى عزيز عليّ أن أرى الخلق ولا ترى).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار: ٥٢: ١٥١.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

المصدر : إيقاظ النائم في رؤية الإمام القائم (عليه السلام) ـ تأليف: السيد عادل العلوي (رحمه الله).

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0549 Seconds