من أراد أن يؤمن بطول العمر من خلال العلم الحديث المتطوّر والمتقدّم، فإنّ الوسائل والآلات المتوفّرة في الطبيعة في عصرنا الراهن لا تنحصر بما في أيدينا اليوم، فإنّ الوسائل الفنّية والتكنولوجيا الحديثة لا تنحصر بالمذياع والتلفاز والتلفون والطائرات النفّاثة والصواريخ الفضائية والكومبيوتر وما شابه ذلك، فإنّ مثل هذه الأسباب قبل قرون كانت تعدّ من المحالات ومن المهازل والقوّة التخيّلية، ولكن اليوم أصبحت هذه الاُمور من التوافه ولعب الأطفال، وأنّ هناك ما هو أوسع من ذلك بكثير، ولم يدّعِ أحد أنّه قد كشف المجهولات الكونية بل كلّما ازدادوا علماً اعترفوا بجهلهم وعجزهم أكثر فأكثر، وأنّ هناك أسرار في الطبيعة لا زالت مجهولة وتبقى مجهولة، وما اُوتيتم من العلم إلّا قليلا، وأنّ فوق كلّ ذي علمٍ عليم. وحينئذٍ كيف يمكن أن يقال: إنّه ليس هناك عوامل مؤثّرة في طول العمر؟!
بل يقول البروفيسور أتينقر: إنّ الجيل الجديد كما آمن بالرحلات الفضائية فإنّه سيؤمن بأنّ خلود الإنسان في الحياة الدنيوية ليس أمراً ببعيد، فإنّ مع التقدّم التكنولوجي الذي نشاهده اليوم سوف تتمكّن البشرية في القرن القادم أن تطيل عمر الإنسان لآلاف السنين(1).
ويعتقد البروفيسور سيلي: إنّ الموت إنّما هو مرض تدريجي، وإنّه لم يمت أحد من الشيخوخة، وإنّ تقدّم العلم الطبّي سيعطي الإنسان القدرة على أن يطيل في عمره بأضعاف ما هو عليه.
كما هناك في الطبيعة موجودات حيّة عاشت آلاف السنين، وإنّ العلم الحديث توصّل إلى زرع خليّة ما قبل التأريخ وإعادة حياتها.
ولمّا كان المقتضي موجود في ديمومة حياة الإمام المهدي (عليه السلام) فما المانع في ذلك؟ فإنّه بعيد عن الأبصار في حياة طاهرة ومطهّرة، يعبد ربّه وينتظر أمره وقيامه الإلهي، وأنّه حجّة الله على خلقه في أرضه، لولاه لساخت الأرض بأهلها، وإنّه ميزان الأعمال وشاهد على الناس، وفي غيبته أسرار الله جلّت عظمته، وأنّ غيبته الكبرى من الابتلاء، ليبلوكم أيّكم أحسن عملا، وإنّه من الغيب الذي يؤمن به المتّقون (ذلِك الكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ هُدىً لِلْمُتَّقينَ الَّذينَ يُؤْمِنونَ بِالغَيْبِ)(2).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) حينما يعدّ فوائد طول عمر الإمام المهدي وسرّه:
وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به.
والعلم الحديث أثبت أنّ هناك عوامل مؤثّرة في طول العمر كالوراثة والبيئة المعتدلة ونوع العمل ومراعاة الغذاء كمّاً وكيفاً، والشيخوخة ليست مرحلة زمنية، بل ظاهرة جسدية يمرّ بها الإنسان عادة.
وقد يصاب الجسم بالشيخوخة بسبب الإصابة ببعض الأمراض أو ممارسة عادات مضرّة.
ويعتقد (متشنكوف) أنّ السموم الناجمة عن تخمّر مكروبات الأمعاء هي وراء الشيخوخة، ولو أمكن تطهير الأمعاء منها لعاش الإنسان طويلا.
والعلم ما يزال يحبو في أوّل الطريق، ومن المحتمل جدّاً أن يكتشف الإنسان مستقبلا دواءً يعزّز من قدرة الجسم في المقاومة ويمنع حدوث الشيخوخة وحتّى يصل العمر إلى ألفي عام، كما كتبت بذلك بحوث يابانية.
ولنا في الذبابات والحيوانات تجاوزت أعمارها المئات واُلوف من السنين، ففي أمريكا توجد شجرة صنوبر في كاليفورنيا ما تزال حيّة وبلغ عمرها أكثر من أربعة آلاف وستمائة سنة، وكشفت الحفريات في مصر القديمة وفي مقبرة الفرعون (توت عنخ آمون) حبوباً من القمح يعود تأريخها إلى ثلاثة أو أربعة آلاف عام، فنبتت واخضرّت ممّا يدلّ على أنّها لا زالت تحتفظ بحياتها كلّ هذه القرون الطويلة، كما لوحظ أنّ عمر بعض الحيتان يتجاوز (١٧٠٠) سنة.
كما إنّ دراسة الأشجار المعمّرة واستمرار حياتها آلاف السنين وكذا حياة الفايروسات سوف يكون لها آثارها الإيجابية في إمكانية إطالة عمر الإنسان والتغلّب على الشيخوخة.
ويقول علماء مختصّون في هذا المجال: إنّ بإمكان الجسم أو أيّ عضو منه الاستمرار في الحياة مدّة غير محدودة إذا لم يتعرّض إلى طارئ خارجي، وقد تصل المدّة آلاف السنين.
وهذا الرأي لا يستند على الحدس أو الخيال، بل هو نتيجة تجارب علمية عديدة.
ويقول (ريموند) و(بريل) الاُستاذان في جامعة (جون هوبكنز) أنّ الأعضاء الرئيسية في جسم الإنسان لها القابلية على الدوام والخلود، وقد ثبت ذلك بالتجارب التي ما تزال مستمرّة.
ومتى ما تمكّن العلم من حماية الجسم من هجمات الجراثيم وإيقاف التسمّم وإيصال الغذاء الكافي للأعضاء فإنّ باستطاعة الإنسان أن يعيش مدّة طويلة جدّاً كما هو الحال في بعض الأشجار المعمّرة.
ويقول البروفيسور (ميتالينكوف) الخبير في حالات الوفاة: إنّ جسم الإنسان يتألّف من ثلاثين تريليون من الخلايا المختلفة والتي لا يمكن أن تموت كلّها في لحظة واحدة، ولا يتحقّق الموت إلّا بعد حدوث تغيّرات كيميائية في المخّ غير قابلة للإصلاح.
وفي مدينة مونتريال بكندا كان الدكتور (هانس سيلي) يجري في مختبره بحوثاً حول ظاهرة الموت، وعرض لمراسلي الصحف نسيجاً من الخلايا الحيوانية، وصرّح بأنّ النسيج هذا ما يزال حيّاً وفي حالة نشاط حيوي وإنّه لن يموت أبدآ. وأضاف الدكتور: إذا تمكنّا من تحويل النسيج الإنساني بهذا الشكل فإنّ من الممكن أن يعيش الإنسان ألف عام.
ويقول البروفيسور (إينتنجر): إنّ الأجيال القادمة سوف تصطدم بحقيقة الإنسان الخالد كما هو الحال في غزو الإنسان للفضاء، وإنّ تطوّر العلوم سيكفل حياة الإنسان لألف عام.
إنّ الشيخوخة هي ظاهرة مرضيّة وهي ليست مستحيلة العلاج، ولقد تمكّن العلم من إنجاز اعمال كانت فيما مضى مستحيلة، وهو ما يزال يشقّ طريقه قدماً في فتوحات جديدة، فمن الممكن في المستقبل اكتشاف أسباب الشيخوخة، ومن ثمّ علاجها.
وهناك بعض العلماء يقومون بإجراء العديد من التجارب والبحوث من أجل العثور على أكسير الشباب، ولا يمكن الادعاء بأنّ جهودهم سوف تذهب سُدى، فمن المحتمل جداً نجاحهم في هذا المضمار، وبالتالي سيكون بمقدور الإنسان الحياة لمدّة طويلة.
وإذا افترضنا وجود شخص ما في كامل حيويّته البدنية، وكانت أعضاء جسمه كالقلب والكلية والكبد والجهاز العصبي والمعدة وغيرها سليمة تعمل بانتظام، وكان هذا الشخص ملمّاً بما ينبغي تناوله من غذاء ويتّبع في ذلك نظاماً صحياً عالياً، وإنّه إلى جانب ذلك يعرف طرق الوقاية من الأمراض، ويعرف كيف يجهّز بدنه بالفيتامينات، ويتمتّع بروحية عالية تهبه الشعور بالطمأنينة بعيداً عن القلق والكآبة وكلّ ما يعتور الإنسان من أمراض نفسية، فإنّ بإمكان هكذا شخص أن يعمّر طويلا، وأن يعيش أضعافاً مضاعفة ممّا تعارف عليه الناس من العمر الطبيعي. كما هناك في التأريخ من عمّر المئات وآلاف السنين كنوح وآدم(3).
وبناءً على هذا فإنّ مسألة العمر الطويل في شخصيّة الإمام المهدي لن تكون مستحيلة، فالعلم الحديث يؤمن من ناحية مبدئية إمكانيّة ذلك.
إضافة إلى التأكيد على جانب هامّ، وهو أنّ الله ادّخر هذا الإنسان العظيم لإصلاح العالم والمجتمع الإنساني، ومن ثمّ وهبه ما يساعده على استمرار حياته دون ضعف ووهن وانتكاس وشيخوخة(4).
ويقول الشهيد السعيد الآية العظمى السيّد محمّد باقر الصدر (قدّس سرّه) في كتابه القيّم (بحث حول المهدي): ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلاميّة ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتّجهت إليه البشريّة بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس من خلاله على الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب، أنّ للإنسانيّة يوماً موعوداً على الأرض، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرّ التأريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل، بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدّ على غيرهم أيضاً وانعكس حتّى على أشدّ الإيديولوجيّات والاتّجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيّات، كالماديّة الجدليّة التي فسّرت التأريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود تصفى فيه كلّ تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام... وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام ويؤكّد أنّ الأرض في نهاية المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلا بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعيّة ويحوّله إلى إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانيّة...
وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإنّ معالمها التفصيليّة التي حدّدها الإسلام جاءت أكثر إشباعاً لكلّ الطموحات التي انشدّت إلى هذه الفكرة منذ فجر التأريخ الديني، وأغنى عطاءً وأقوى إثارةً لأحاسيس المظلومين والمعذّبين على مرّ التأريخ، وذلك لأنّ الإسلام حوّل الفكرة من غيب إلى واقع ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلّع إلى منقذ تتمحّض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلا وتطلّعه مع المتطلّعين إلى اليوم الموعود...
وقد قدّر لهذا القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه ولا يكشف للآخرين حياته على الرغم من أنّه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة...
ولكنّ التجسيد المذكور أدّى في نفس الوقت إلى مواقف سلبيّة تجاه فكرة المهدي نفسها لدى عدد من الناس الذين صعب عليهم أن يتصوّروا ذلك ويفترضوه...
فهم يتساءلون إذا كان المهدي يعبّر عن إنسان حيّ، عاصر كلّ هذه الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظلّ يعاصر امتداداتها إلى أن يظهر على الساحة، فكيف تأتّى لهذا الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض على كلّ إنسان أن يمرّ بمرحلة الشيخوخة والهرم، في وقت سابق على ذلك جدّاً وتؤدّي به تلك المرحلة طبيعيّاً إلى الموت، أو ليس ذلك مستحيلا من الناحية الواقعيّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجلّة (دانشمند) العلمية، السنة السادسة، العدد السادس.
(2) البقرة: ٢.
(3) لقد أورد المسعودي في تأريخ مروج الذهب (١: ٢٠) عدداً من المعمّرين في التأريخ، وهم: آدم ٩٣٠ سنة، وشيت ٩١٢ سنة، وانوش ٩٦٠، وقدنان ٩٢٠ سنة، ولوط ٧٣٣، ونوح ٩٥٠سنة، وكيومرث ١٠٠٠ سنة، وعاد ١٢٠٠ سنة، وعليكم بمراجعة (المعمّرون والوصايا)لأبي حاتم السجستاني و(الآثار الباقية) للبيروني و(يوم الخلاص) لكامل سليمان و(البحار:٥١ ٢٤٣) و(إلزام الناصب: ٨٦) و(المهدي: ١٢٧) و(إعلام الورى: ٤٤٢) و(البرهان: ١١) وغيرها.
(4) (حوارات حول المنقذ).
المصدر : الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وطول العمر في نظرة جديدة ـ تأليف: السيد عادل العلوي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة