اقتضت الحكمة الالهيّة البارعة أن يكون وقت ظهور الامام المهدي (عليه السلام) مخفيّاً عند الناس كخفاء ليلة القدر.
ولم يوقّته نفس أهل البيت (عليهم السلام)، بل منعوا عن التوقيت.
ولذلك ورد في حديث منذر الجواز عن الامام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
«كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل»(1).
ولعلّ من حِكم ومصالح خفاء وقت ظهوره (عليه السلام) ما يلي:
الأوّل: إدراك فضيلة انتظار الفرج، الذي هو من أفضل الأعمال وأهمّ الخصال.
إذ لو كان وقت ظهوره المبارك موقّتاً محدّداً معلوماً، لكان الانتظار مبدّلاً إلى اليأس في الملايين من المؤمنين الماضين والحاضرين، ممّن لم يكونوا قريبي العصر من وقت الظهور.
فلم تحصل لهم حالة الانتظار، ولم يفوزوا بفضيلته التي نصّت وحثّت عليه الأحاديث المتظافرة مثل:
١ - حديث أبي بصير عن الامام الصادق (عليه السلام) أنّه قال ذات يوم:
«ألا أُخبركم بما لا يقبل الله عزَّ وجلَّ من العباد عملاً إلاّ به؟
فقلت: بلى.
فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنَّ محمّداً عبده [ورسوله]، والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا (يعني الأئمّة خاصّة)، والبراءة من أعدائنا والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم (عليه السلام).
ثمَّ قال: من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر. فان مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه.
فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة»(2).
٢ - حديث ابي الجارود، عن الامام الباقر (عليه السلام). قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): يا بن رسول الله، هَل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟
قال: فقال: نعم. قال:
قال: «فإني أسألك مسألة تجيبني فيها، فإنِّي مكفوف البصر، قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كلَّ حين.
قال: هات حاجتك.
قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله عزّ وجلّ به أنت وأهل بيتك، لأدينَ الله عزَّ وجلَّ به.
قال: «إن كنت أقصرت الخطبة(3) فقد أعظمت المسألة. والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عزّ وجلّ به.
شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإقرار بما جاء به من عند الله، والولاية لوليّنا، والبراءة مِن عدوِّنا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد، والورع»(4).
٣ - حديث البزنطي، عن الامام الرضا (عليه السلام) أنه قال:
«ما أحسن الصبر وانتظار الفرج. أما سمعت قول الله عزَّ وجلَّ: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(5)، (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(6)؟
فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم»(7).
٤ - حديث الاربعمائة الشريف جاء فيه:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فانَّ أحبَّ الأعمال إلى
الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج».
وقال (عليه السلام):
«مزاولة قلع الجبال أيسر. من مزاولة ملك مؤجَّل، واستعينوا بالله واصبروا.
إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين. لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم».
وقال (عليه السلام):
«الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(8).
فنلاحظ وتعرف من خلال هذه الاحاديث الشريفة أن انتظار الفرج الالهي من الأسس الدينية التي جعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل أعمال أُمته.
إذ به فاز الاسلام منذ بدءه، حينما لم يكن الا هو (صلى الله عليه وآله) وابن عمه (عليه السلام) وناصراه سيدنا أبوطالب، والسيدة خديجة.
وبه دام الاسلام ببركة جهاد وجهود اوصياءه وعترته.
وبه يظهر الاسلام على الدين كله والكون جميعه بظهور مُصلحه وصاحبه.
فانتظار الفرج الحقيقي هي العُدّة والعَدد والحفاظ، في قبال الصدمات والكوارث والمخططات، التي يريد بها الاعداء أن يطفئوا نور الله: (وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
لذلك يحق أن يكون انتظار الفرج وعدم اليأس هو الأصل الاصيل لبقاء العقيدة الاسلامية الخالصة، المتجسدة في ظهور الامام المهدي (عليه السلام) ودولته الحقّة.
الثاني: التهيّؤ لمقدمه الشريف، وإصلاح النفس لقدومه المبارك، فان هذا الانتظار يسنح الفرصة المناسبة والوازع الأكيد لاصلاح النفس، وتزكية الروح، وقابليّة الشخص، بل تحصيل درجات الفضل والكمال.
كما نلاحظ ونلمسه فيمن اتّصف بها من المؤمنين المنتظرين الذين حازوا فائق الكرامات، ونالوا رائق المكرمات، من كُبّار العلماء والصالحين.
الثالث: حكمة الامتحان واختبار الخلق.
فان ممّا تقتضيه الحكمة الالهيّة، اتماماً للحجّة وكشفاً للمحجّة، اختبار الناس ليتّضح مدى تصديقهم وتسليمهم لظهور الامام المهدي (عليه السلام) الذي لم يعرفوا وقته، ولم يعلموا زمانه.
وكيف يكون ثباتهم وصبرهم على أمر لم يطّلعوا على حين تحقّقه، فيُمتحنون بذلك، وتتم عليهم الحجّة هنالك.
قال تعالى:
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(9).
وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.
وبالامتحان يتبيّن الحال وحقائق الرجال.
فالحكمة البالغة إذن تقتضي خفاء زمان ظهور الامام الحجّة (عليه السلام) وعدم توقيته، رعاية لهذه المصالح العامّة، والدواعي التامّة.
لكن في نفس الوقت جُعل للظهور علائمه التي تُعلن عن بشارة تحقّقه، وتبشر المؤمنين بأوان تبلّجه، وتفيض علينا شآبيب النور وآيات السرور.
وقد قُسّمت هذه العلائم إلى أقسام ثلاثة، لا ينبغي أن يُعدّ جميعها علائم ظهوره، لأن بعضها تحدث في زمان غيبته، بل حدث بعضها.
وبعضها الآخر يحدث قبل ظهوره..
والبعض الآخر يكون علامةً قريبة للظهور المبارك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الغيبة للشيخ الطوسي، ص ٢٦٢.
(2) الغيبة للشيخ الطوسي النعماني، ص ٢٠٠، باب ١١، ح ١٦.
(3) الظاهر أن الخطبة بضم الخاء، بمعنى ما يتقدم من الكلام المناسب قبل إظهار المطلوب.
(4) اصول الكافي، ج ٢، ص ٢١، ح ١٠.
(5) سورة هود، الآية ٦٣.
(6) سورة الاعراف، الآية ٧١.
(7) كمال الدين، ص ٦٥٤، ب ٥٥، ح ٥.
(8) البحار، ج ٥٢، ص ١٢٢، ح ٧.
(9) سورة العنكبوت، الآية ٣.
عِند قَدَمَي الإمام المهدي (عليه السلام) ـ دراسة عقائديّة في الامام المهدي (عليه السلام) من ظهوره السعيد إلى نظامه السديد.
تأليف: العلامة السيد علي الحسيني الصدر.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة