تفاصيل مقتل ذي النفس الزكيّة

, منذ 1 سنة 1K مشاهدة

ورد التعبير به عن شخصيّتين: إحداهما ـ وهي الأقلّ وروداً في الروايات ـ على شخصيّة يقتل بظهر الكوفة، وثانيها: الذي يُقتل بين الركن والمقام، بل في بعض روايات الأدعية (1) الواردة عنهم إطلاق النفس الزكيّة على المهدي (عجل الله فرجه).

وقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد في علامات الظهور ممّا قد جاءت به الآثار: "وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام".(2)

فذكر كلّ منهما، ولكنّ الثاني أكثر وروداً في الروايات، وفي جملة منها أنّ قتله بين الركن والمقام من العلامات الحتميّة، وانّ اسمه محمّد بن الحسن، وأنّه من ذرّيّة الحسين (عليه السلام)، وأنّه من خواص أصحاب المهدي (عجل الله فرجه)، لكنّ خروجه في مكّة مرتبط بفاصل أيّام وبينه وبين ظهور الحجّة عجل الله فرجه للبيعة عند الركن خمسة عشرة ليلة، ففي صحيح عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكيّة، واليماني"، فقلت: جعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: "لا".

فلمّا كان من الغد تلوت هذه الآية: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(3)، فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: "أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عزّ وجلّ"(4)، فيظهر من الصيحة أنّ قتل النفس الزكية، والمراد به الذي يقتل في الكعبة بين الركن والمقام، من العلامات الحتميّة للظهور، كما أنّ في الصيحة تحذيراً أكيداً، وتنبيهاً بالغاً على عدم الانخداع وراء أدعياء أسماء الظهور قبل تحقّق العلامات الحتميّة من الصيحة والسفياني والخسف لجيشه في صحراء المدينة المنوّرة، وإنّ من أهمّ علامات الظهور الصيحة والنداء من السماء.

وروى النعماني بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: "يا أبا محمّد، إنّا أهل البيت لا نوقّت، وقد قال محمّد (عليه السلام): كذب الوقّاتون يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات، أوّلهنّ: النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكيّة، وخسف بالبيداء" الحديث.(5)

وروى الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: "القائم منصور بالرعب، مؤيّد بالنصر، تطوى له الأرض..."، فقلت له: يا بن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: "إذا... وخرج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيّة، وجاءت الصيحة من السماء بان الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا"(6) ـ الحديث.

وروى الصدوق أيضاً في إكمال الدين، بإسناده عن صالح مولى بني العذارء، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: "ليس بين قيام آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلاّ خمس عشرة ليلة".(7)

ورواه الشيخ في الغيبة، والمفيد في الإرشاد.

وفي رواية الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده عن عمّار بن ياسر أنّه قال: "إنّ دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتّى تجيئ أماراتها،... ثمّ يسير ـ أي السفياني بعد استيلاءه على الشام ـ إلى الكوفة، فيقتل أعوان آل محمّد صلى الله عليه وآله، ويقتل رجلاً من مسمّيهم، ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح، فإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان التحقوا بمكّة، فعند ذلك يقتل النفس الزكيّة وأخوه بمكّة ضيعة، فينادي منادي من السماء: أيّها النّاس، إنّ أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً".(8)

ويظهر من هذه الرواية أنّ النفس الزكيّة يقتل مع أخيه، وأنّ شعيب بن صالح من رؤساء وقوّاد جيش المهدي، وعلامته ظهوره في جيشه معه.

وفي رواية العيّاشي عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث الظهور: "...ثمّ يخرج من مكّة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبيّ الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكّة باسمه وأمره من السماء، حتّى يسمعه أهل الأرض كلّهم، اسمه اسم نبيّ، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) ورايته وسلاحه، والنفس الزكيّة من ولد الحسين، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره، وإيّاك وشذاذ من آل محمّد (عليهم السلام)، فإنّ لآل محمّد وعليّ راية، ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتّبع منهم رجلاً أبداً، حتّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبيّ الله صار عند عليّ بن الحسين، ثمّ صار عند محمّد بن عليّ، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداً.

وإيّاك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامداً على المدينة..." ـ الحديث.(9)

ومفاد الرواية أنّ قتل النفس الزكيّة في المسجد الحرام من العلامات البارزة الجليّة الظهور، كما تؤكّد الرواية ـ كما مرّ في غيرها ـ على الحذر الشديد، واليقظة البالغة من الانجرار والانجراف وراء أدعياء رايات الظهور، وشعارات الإصلاح، وقد جعل العلامات الفاصلة بين الملتبس المشتبه وبين الظهور الحقيقي هو الصيحة السماويّة.

وروى السيّد عليّ بن عبد الحميد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: "يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم، إنّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّيّة محمّد، وسلالة النبيّين، وإنّا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتزّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكيّة، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنّ أهل مكّة لا يريدوننا فلا يدعونه حتّى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً...".(10)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مهج الدعوات: 58. بحار الأنوار: 98/371.

(2) الإرشاد: 2/371، بحار الأنوار: 52/220.

(3) سورة الشعراء: الآية 4.

(4) الكافي: 8/310.

(5) الغيبة/ النعماني: 290، باب 16، ح 6، بحار الأنوار: 52/119.

(6) كمال الدين/ الصدوق: 331، باب 32، ح 16، بحار الأنوار: 52/191.

(7) كمال الدين/ الصدوق: 649، باب 57، ح 2، بحار الأنوار: 52/203.

(8) الغيبة/ الطوسي: 463، ح 479، بحار الأنوار: 52/207 و208.

(9) تفسير العياشي: 1/ 117، بحار الأنوار: 52/222 ـ 224.

(10) بحار الأنوار: 52/307.

* المصدر: فقه علائم الظهور ـ الشيخ محمد السند

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1099 Seconds