لماذا تأخّر ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رغم تحقّق بعض العلامات؟

, منذ 1 يوم 228 مشاهدة

يُعدّ ظهور الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) من أهم العقائد في الفكر الإسلامي، خصوصًا في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). وقد أكدت الروايات على ظهور علامات معيّنة تسبق الظهور المقدّس، وقد تحقّق بعضها بالفعل، مثل استفحال الظلم، وانتشار الفساد، وضعف الوعي الديني، إلى غيرها من العلامات التي وردت في الأحاديث.

لكن، مع كل هذا، لا يزال الظهور الشريف مؤجّلًا، مما يثير تساؤلات عديدة: لماذا تأخّر ظهور الإمام رغم تحقق بعض علاماته؟

هذا المقال يسعى إلى تحليل هذا التأخير من خلال منظور ديني وعقائدي ورؤيوي.

أولًا: دور العلامات في مشروع الظهور

من المهم أن نفهم أن علامات الظهور ليست هي السبب المباشر في ظهوره، بل هي مؤشّرات تدل على اقتراب تلك المرحلة، مثل إشارات الطريق، لكنها لا تُلزم الله تعالى بالتحقيق الفوري للظهور، لأن الظهور خاضع لحكمة إلهية بالغة لا ترتبط فقط بالظروف الخارجية.

ثانيًا: عدم اكتمال الشروط الحقيقية للظهور

تشير العديد من الروايات إلى أن الظهور له شروط وليس فقط علامات. من أبرز هذه الشروط:

1. وجود قاعدة مؤمنة مخلصة

الإمام المهدي لا يقوم بثورة عسكرية فقط، بل يقود مشروعًا عالميًا للإصلاح والعدل. وهذا يتطلب وجود جماعة مؤمنة وواعية تمتلك:

فهمًا عميقًا للإسلام.

طاعة تامة للإمام.

استعدادًا للتضحية والفداء.

وهذه القاعدة – كما تشير بعض الروايات – لا تُقاس بالكثرة فقط، بل بالنوعية والوعي والولاء. قد يكون في العالم ملايين الشيعة، لكن هل هم مهيؤون فعلاً لنصرة الإمام وتحمل تبعات مشروعه؟

2. الوعي الجماهيري العالمي

الظهور يتطلب استعدادًا عالميًا لتقبّل هذا التغيير الجذري. لابد أن تصل البشرية إلى درجة من اليأس من كل الحلول الأرضية، حتى تكون مهيّأة نفسيًا وروحيًا لقبول القيادة الإلهية. هذه المرحلة من “الانسداد الحضاري” قد تكون لم تكتمل بعد.

ثالثًا: سنة الامتحان والتمحيص

الله تعالى جعل الغيبة وسيلة لاختبار صدق الإيمان والولاء. فليس كل من يدّعي الانتظار صادقًا فيه.

وقد ورد في الروايات:

"والله لَتُمحَّصُنّ، والله لَتُميَّزنّ، والله لَتُغربلُنّ، كما يُغربَلُ القمح..."

(الكافي، ج8، ص67)

فالانتظار الحقيقي يتطلب صبرًا وثباتًا ويقينًا رغم طول الغيبة، وهو أمر لا يتحقّق إلا عبر الامتحانات المتواصلة.

رابعًا: غاية الغيبة ليست فقط الظهور

الغيبة الكبرى ليست مجرد فترة انتظار سلبي، بل هي مرحلة إعداد وبناء فردي وجماعي. في هذه المرحلة:

يتربّى الناس على المسؤولية والاعتماد على أنفسهم.

يُختبر العلماء والمراجع في قيادة الأمة.

يتم تثبيت مفاهيم الانتظار والعمل الصالح.

فالتأخير له أبعاد تربوية وتاريخية مهمة، وليس مجرد تأجيل عشوائي.

خامسًا: الدعاء والعمل شرطٌ لا غنى عنه

في بعض الروايات، ورد أن تأخير الظهور قد يكون بسبب ضعف الدعاء الحقيقي من الأمة، أو بسبب تقصيرها في التهيئة والبناء الذاتي.

عن الإمام الصادق (عليه السلام):

"إذا كمل العدد – يعني أصحاب القائم – يظهر القائم، ولو كنا نعرفهم لسمّيناهم. ولكنهم مجهولون عندكم."

(الغيبة للنعماني، ص 329)

فالظهور مرتبط بمدى استجابة الأمة لنداء الإصلاح، وليس فقط بمرور الوقت أو تحقّق بعض العلامات.

خاتمة: الانتظار ليس حالة سلبية

علينا أن نفهم أن تأخير الظهور لا يعني فشل المشروع الإلهي، بل هو جزء من سنن الله في التمهيد وتحقيق العدل الكامل.

من مسؤوليتنا كمنتظرين أن نعمل على:

إصلاح النفس والمجتمع.

نشر الوعي والمعرفة.

الدعاء المستمر للإمام.

الاستعداد لنصرته بالعمل لا بالقول فقط.

الظهور حتمي، ولكن توقيتُه مرتبط بالاستحقاق، ونحن من نصنع هذا الاستحقاق أو نُؤخره

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0735 Seconds