مجتبى السادة
إن علائم الظهور المحتومة هي خمس كما في الرواية عن عمر بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني ، والسفياني ، والصيحة ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء) (1) .. وكذلك الحديث المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام): (قلنا له السفياني من المحتوم؟ فقال: نعم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، والقائم من المحتوم ، وخسف البيداء من المحتوم ، وكف تطلع من السماء من المحتوم ، والنداء ، فقلت وأي شيء النداء؟ فقال: مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه) (2) .. وهناك روايات عديدة وكثيرة تحدد هذه المحتومات الخمس حتى أن هذه النصوص بلغت حد التواتر.
إن العلائم المحتومة ، هي الأخبار التي لا بدّ من تحققها ، وهي التي تحدث قطعاً ولها أشد الارتباط بالظهور ، وتكون مقارنة لظهوره (عليه السلام).. ولا علاقة للبداء فيها ، باعتبار أن البداء في المحتوم ينافي حتميته ، لأن معنى البداء في الشيء هو العدول عنه ، فحتمي الوجود يصبح بواسطة البداء غير حتمي وكذلك العكس .. وهذا رأي معظم أساطين العلماء: كالسيد أبي القاسم الخوئي (4) والسيد جعفر مرتضى العاملي (3) والشيخ الطوسي حيث قال في غيبته: " .. والضرب الآخر هو ما يجوز تغيره في نفسه ، لتغير المصلحة عند تغير شروطه ، فإنا نجوز جميع ذلك ، كالأخبار عن الحوادث في المستقبل ، إلا أن يرد الخبر على وجه يعلم أن مخبره لا يتغير ، فحينئذ نقطع بكونه ، ولأجل ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات ، فاعلمنا أنه مما لا يتغير أصلاً ، فعند ذلك نقطع به" (5) .. وعليه نؤكد أن العلامات المحتومة لا يبدو لله فيها.
إن أساس الإشكال ، الذي يعارض هذا الرأي ، الرواية التي ذكرها النعماني في غيبته (عن محمد بن همام قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله الخالنجي قال: حدثنا أبو هاشم داوود بن القاسم الجعفري قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبدو لله في المحتوم ، قال: نعم ، قلنا له: فنخاف أن يبدو الله في القائم ، فقال: إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد) (6) .. والذي علق عليه العلامة المجلسي في موسوعته البحار حيث قال: "لعل للمحتوم معانٍ يمكن البداء في بعضها .. ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم ، البداء في خصوصياته ، لا في أصل وقوعه كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك" (7).
إلا أننا لا نميل إلى رأي العلامة المجلسي باعتبار أن البداء في المحتوم لا يبقى فرقاً بين خبر محتوم وغيره ، ومن ثم لا داعي للتقسيم بين أمور موقوفه وأمور محتومه .. - هذا فضلاً إلى أن سند الرواية ضعيف (8) - بالإضافة إلى تعارض هذا الرأي (البداء في المحتوم) مع كثير من الروايات:
عن عبد الملك بن أعين قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر القائم (عليه السلام) فقلت له: (أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني فقال: لا والله ، إنه لمن المحتوم الذي لا بدّ منه) (9) .. عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): (إن من الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة ، وإن السفياني من المحتوم الذي لا بدّ منه) (10) .. عن حمران بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (من المحتوم الذي لا بدّ أن يكون من قبل قيام القائم: خروج السفياني وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية والمنادي من السماء) (11) .. عن حمران ابن أعين ، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) (في قوله تعالى ] ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ[ (12). قال: إنهما أجلان: أجل محتوم ، وأجل موقوف ، قال له حمران: ما المحتوم؟ قال: الذي لا يكون غيره ، قال: وما الموقوف؟ قال: هو الذي لله فيه المشيئة ، قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف ، فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا والله إنه من المحتوم) (13) .
وهناك أحاديث كثيره تذكر هذه العلامات الخمس ، وتؤكد على حتميتها ، أي تحقق الخبر فيها ، وذلك باكتمال شرائطه وفقد موانعه وتمامية عناصر علته.
إن المحتومات الخمس من آكد العلامات ، وأوثقها وأمتنها رواية .. والقول بعدم تدخل البداء فيها هو الرأي الراجح .. وبافتراض تدخل البداء فيها (الرأي الآخر) أي تغير إحدى هذه العلامات الحتمية الخمس ، فمثلاً: محو صورة السفياني ، مما سيؤدي الى محو صورة الخسف باعتبار الخسف بجيشه ، كما سيؤدي محو السفياني الى محو الأصهب والأبقع وربما معركة قرقيسيا أو بعض منها ، وكذلك فتنة الشام ، وفتن العراق ، وحتى جزء كبير من صورة اليماني والخراساني وغير ذلك ، مما سيمحو أغلب علامات الظهور .. لذا نؤكد على أن المحتوم لا يبدو الله فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - إكمال الدين للصدوق ج2 ص650 ، غيبة الطوسي ص267 ، غيبة النعماني ص169 ، بحار الأنوار ج52 ص204 ، إعلام الورى ص426 ، منتخب الأثر ص439
2 - غيبة النعماني ص172 ، منتخب الأثر ص455
3 - عندما سأله محمد فقيه مكاتبة ، كما ذكر في كتابه السفياني ص102
4 - ذكر رأيه في كتابه: دراسة في علامات الظهور ص60
5 - غيبة الشيخ الطوسي ص265
6 - غيبة النعماني ص205 ، بحار الأنوار ج52 ص250
7 - بحار الأنوار ج52 ص251
8 - السفياني وعلامات الظهور محمد فقيه ص102
9 - غيبة النعماني ص203 ، بحار الأنوار ج52 ص249
10 - غيبة النعماني ص204 ، بحار الأنوار ج52 ص249
11 - غيبة النعماني ص176 ، منتخب الأثر ص455
12 - سورة الأنعام (2)
13 - بحار الأنوار ج52 ص249
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة