العلامات المحتومة لظهور الإمام المهدي (عج) هل يجري فيها البداء ؟

, منذ 1 سنة 1K مشاهدة

وهذا مبحث مهم، وأساسه رواية داوود بن القاسم الجعفي قال: «قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟

قال: نعم.

قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم.

فقال: إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد»(١)

والسؤال الذي يُطرح هو: كيف نجمع بين كون العلامات الست من المحتوم كما نصت الروايات الصحيحة ، وبين الرواية التي تنص على وقوع البداء فيها، وهو خلف كونها من المحتوم.

وبعبارة أخرى: إن المحتوم - كما هو الظاهر من لفظه لغةً وعرفاً - ما لا يتغيّر ولا يتبدّل، ووقوعه ضروري لا محالة كما تقدّم، بينما حقيقة البداء هي التغيير والتبديل، فكيف الجمع بين المفادين؟

الجواب عن ذلك:

توجد ثلاث إجابات عن هذا السؤال:

الجواب الأول: إمكان وقوع البداء في العلامات المحتومة.

وهو الذي ذهب إليه المحدّث النوري (أعلى الله مقامه) في كتابه النجم الثاقب، ويمكن تقريب ما ذهب إليه بمقدمتين:

المقدمة الأولى: أنَّ المراد من المحتوم ليس هو الضروري الوقوع والذي لا يقبل التغيير والتبديل، بل المراد من المحتومية هو المؤكد على نحو المبالغة.

المقدمة الثانية: أن مقتضى المبالغة في التأكيد على هذه العلامات هو قلة احتمالية وقوع البداء فيها، بخلافه في العلامات الموقوفة، ومن الواضح أنَّ قلّة احتمال وقوع البداء لا تتنافى مع وقوعه.

والنتيجة: أن البداء يُمكن أن يجري في العلامات المحتومة، ولا يوجب ذلك تعارض ما تقدّم من الأخبار، إذ ليس المقصود من الحتمية هو ضرورة الوقوع، بل المقصود أنها المؤكدة الوقوع والتي يكون احتمال البداء فيها أقل من احتماله في الموقوفة.

وبعبارة أخرى: إنَّ ملخص رأي المحدث النوري: أن حلّ التعارض بين الروايتين إنما يكون بحمل المحتومة على المبالغة في التأكيد، ولا ينافي ذلك احتمالية وقوع البداء فيها - كما هو مقتضى خبر داوود بن القاسم - إلا أنه أقل من وقوعه في غير المحتومة.(2)

الجواب الثاني: إمكان وقوع البداء في خصوصيات العلامة

وهو الذي ذهب إليه العلامة المجلسي (اعلى الله مقامه الشريف) في البحار، ويمكن تقريبه بمقدمتين أيضاً:

المقدمة الأولى: عدم إمكان رفع اليد عما نصّت عليه الروايات من محتومية تلك العلامات، والحتمي نصٌ في ضرورة الوقوع.

المقدمة الثانية: إنه لابدَّ من التفريق بين أصل العلامة، وبين خصوصياتها، فيقال: إنَّ الذي نصّت الروايات على حتميّته هو أصل تحقق العلامة، وأما الخصوصيات فلا حتمية فيها، فمثلاً:

أن أصل خروج السفياني من المحتوم، ولكن كون خروجه في رجب ليس كذلك، فهذه خصوصية يمكن أن يجري البداء فيها.

والنتيجة: أن البداء لا يجري في أصل العلامة، ولكنه يجري في خصوصيتها.

وبعبارة أخرى: أن مقتضى الجمع بين الروايتين هو حمل إمكان وقوع البداء على الخصوصيات لا أصل العلامة، ويبقى أصل العلامة محتوماً لا يمكن تغييره.(3)

وهذا الجواب في نفسه لا بأس به، ولكنه حمل للنص على خلاف ظاهره، فلا يصار إليه إلا مع عدم تمامية الأجوبة الأخرى.

الجواب الثالث: امتناع تحقق البداء في العلامات المحتومة.

وهذا هو الأوفق بالتحقيق، إذ هو ما تقتضيه قواعد الصنعة، ويمكن تقريبه ببيان ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن الرواية محل البحث - أعني رواية داوود بن القاسم الجعفي المتحدّثة عن البداء - ضعيفة السند، ولا يوجد ما يعضد مضمونها أبداً، بمعنى أنها لا نظير لها في الروايات الشريفة، ولا يمكن حينئذ تعويلاً على هذه الرواية اليتيمة الشاذة رفع اليد عن ظهور الروايات الأخرى في أن تلك العلامات من المحتوم الذي لا يقبل التغيير والتبديل.

الأمر الثاني: مخالفتها للروايات الكثيرة المعتبرة سنداً، والواضحة دلالة، في أن المحتوم لا يقبل التغيير والتبديل، فهي معارضة بصحيحة عبد الملك بن أعين، قال: «كنت عند أبي جعفر عليه السلام فجرى ذكر القائم عليه السلام، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلا ولا يكون سفياني.

فقال: لا والله إنه لمن المحتوم الذي لا بد منه»(4).

وبصحيحة محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إن السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة.

ثم قال عليه السلام: أستغفر الله حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم الذي لابد منه.»(5)

وبغيرها من الروايات الشريفة.

وتطبيقاً لقواعد الصنعة نقول: أن شرط وقوع التعارض بين الروايتين حجية كليهما، فلا معارضة لفاقد الحجية، والمقام من هذا القبيل، فرواية داوود بن أبي القاسم فاقدة لشرائط الحجية، فلا تصلح للمعارضة مع الصحاح.

الأمر الثالث: لزوم نقض الغرض من جعل العلامات، وقد تقدّم الحديث حول الغرض من جعلها عند بيان الملاكات الثلاثة لأهمية فقه علامات الظهور، ولا شك أنَّ وقوع البداء فيها ينقض ذلك الغرض، ونقض الغرض قبيح، والله تعالى منزه عنه.

وببيان هذه الأمور يتّضح لك الخلل فيما أفاده المحدث النوري، والعلامة المجلسي، قدس الله روحهما الزكيتين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) غيبة النعماني ص٣١٤ – ٣١٥.

(2) قال رحمه الله في النجم الثاقب ٢\٥٤٣: «وقد انقضى من عمره الشريف إلى الآن ألف وأربعون وعدّة سنين، ولا تبديل ولا تغيير فيه ما بقي شيء مما جاء عن أهل بيت العصمة عليهم السلام من الآيات والعلامات التي تكون قبل ظهوره ومع ظهوره، وهي جميعها قابلة للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والتأويل بشيء آخر، حتّى تلك التي عدّت في الحتميّات، فانّ المقصود من المحتوم في تلك الأخبار - على الظاهر - ليس أنّها غير قابل للتغيير أبداً، بل الظاهر منه ما قالوه عليهم السلام بما يأتي - والله العالم - بأنّه مرتبة من التأكيد بما لا تنافي التغير في مرحلة من مراحل وجودها».

(3) قال قدس سره في البحار ٥٢\٢٥١: «ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم البداء في خصوصياته لا في أصل وقوعه كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك.»

(4) الغيبة للنعماني ص٣١٢.

(5) الغيبة لشيخ الطائفة ص٤٤٩.

المصدر: المهدوية الخاتمة فوق زيف الدعاوى وتضليل الأدعياء / الجزء الأول، تقريراً لأبحاث سماحة السيد ضياء الخباز القطيفي دام عزّه، عبد الله سعد معرفي.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0563 Seconds