هل الإمام كالسجين يتنظر أن يُفرج عنه وكالمشرد الذي ينتظر تحصيل المأوى أم أن الإمام في عصر الغيبة يقوم بدور خطير قد لا نلتفت نحن لأبعاده؟
يقوم الإمام بدورٍ خطيرٍ جدًا وهو دور الإعداد لخروجه، كما أن الأمة وظيفتها الإعداد لخروجه كما أن وظيفة الأمة الانتظار كما ورد عن النبي : «أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج» و الانتظار هو اعداد الأرض لخروجه كذلك وظيفته هو أن يُعد الأرض لخروجه، فهو يعمل على الإعداد والأمة تعمل على الإعداد، كيف يعمل على الإعداد لخروجه؟
المهدي له دولة موجودة إلى الآن ودولته ظلية ضمن الدول، في ضمن الدول له دولة ظلية قائمة بالفعل، المهدي له شبكة ممتدة مترامية الأطراف شرقًا وغربًا وآلاف ينتمون لهذه الشبكة ويعملون لحساب هذه الدولة الظلية التي على رأس هرمهما المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولا يقع حادث في الشرق أو في الغرب، في أمريكا، في الصين، في أي مكان إلا ويصل إليه الخبر في نفس المكان نتيجة الشبكة المترامية الأطراف التي تتعامل معه..
قد تكون أنت الشخص العادي من ضمن هذه الشبكة وأنت لا تشعر، لماذا؟ لأن هناك من يُوجهك لفعل معين وأنت لا تدري، وهذا الذي يوجهك قد يكون تحت شخصٍ آخر يوجهه وهو لا يعلم والكل مرتبط بتلك الشبكة المتمادية الأطراف هذه الشبكة عبَّرت عنها النصوص الشريفة:
مثلاً في دعاء أم داوود وهو دعاء عظيم يُقرأ في يوم النصف من شهر رجب المرجب: «اللّهُمَّ صَلِّ عَلىالاَبْدالِ وَالاَوْتادِ وَالسُّيّاحِ وَالعُبّادِ وَالمُخْلِصِينَ وَالزُّهّادِ وَأَهْلِ الجِدِّ وَالاجْتِهادِ» من هم هؤلاء الأبدال والأوتاد؟ هؤلاء رجالٌ موجودون بالفعل يقومون برعاية هذه الدولة الظلية المترامية الأطراف..
وتقرأ في دعاء آخر: «أَبْدَالٌ وَأَوتَادٌ وأَعْضَادٌ وأَشْهَادٌ وَحَفَظَةٌ وَذُوَّادٌ» كل واحدٍ في هذه الشبكة له رتبة، هذا رتبته من الأبدال، هذا رتبته من الأوتاد، هذا رتبته من الحَفَظة، لكلٍ رتبته بحسب علمه وبحسب مقامه السلوكي والعملي، إذن بالنتيجة الإمام يقوم بدور كبير جدًا وهو في حال غيبته ألا وهو دور الإعداد لخروجه..
ألطاف الغيبة :
هُناك سؤال يأتي على ذهن كل إنسان، علماء الكلام يقولون اللطف واجبٌ على الله واللطف هو كل فعل يُقرِّب العباد إلى الطاعة ويُبعدهم عن المعصية، كل فعل يُقرِّب العباد إلى الطاعة ويُبعدهم عن المعصية فهو لطف واللطف واجبٌ على الله، لذلك نصب الأئمة لطف فهو واجب على الله، بعث الأنبياء لطف فهو واجب على الله، إنزال الكتب لطف فهو واجب على الله، كل عمل يُقرِّب الناس إلى الطاعة ويُبعدهم عن المعصية فهو واجبٌ على الله، لذلك يقع السؤال:
لماذا لا يُظهر الله الإمام ويجعله يعيش بين الناس إلى أن يأتي اليوم الموعود بحيث يعرف الناس ويعرفونه كما جعل نوحًا في قومه حيث كان موجودًا ومعروفًا بين الناس، كما عاش نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا فلماذا لا يُظهر الله الإمام يعيش بين الناس معروفًا فيتحقق بذلك اللطف من وجوده؟
وبعبارة أخرى: إذا كان الله قادرًا على حفظه وهو غائب فهو قادر على حفظه وهو حاضر، فلماذا لا يُظهره ويعيش بين الناس معروفًا ويقوم بدوره المحدود إلى أن يأذن الله تعالى له بالفرج وإقامة الدولة؟
وبعبارة ثالثة: ما هي ألطاف الغيبة وما هي حِكَم الغيبة؟
الجواب النقضي إن الله عزوجل لو أراد حفظ المهدي بأن يعيش بين الناس أكثر من ألف سنة محميًا من جور الجائرين وظلم الظالمين لحفِظ الله النبي محمدًا فهو أفضل منه وأشرف المخلوقات، لو أن الله شاء أن يحفظ المهدي من جور الجائرين على سبيل الإعجاز بحيث لا يصل إليه أحد لحفِظ النبي عن جور الجائرين واعتداء المعتدين، مع أن النبي أُعتُدى عليه وظُلم وكُسرت رُباعيته يوم أُحد إلى غير ذلك من المظالم..
وأما الجواب الحلي : شاءت حكمة الله أن يكون ظهور الدين بالأساليب الطبيعية لا بالأساليب الإعجازية، لماذا؟ لأن الدين والإيمان هو تكامل روحي، والتكامل الروحي لا يتفاعل معه الإنسان إلا إذا وصل إليه عن قناعة واختيار ورضا، والأمر الذي يصل إلينا عن إرادة منا وقناعة منا نتفاعل معه، أما الأمر الذي يُفرض علينا بالأساليب الإعجازية لا نتفاعل معه، طبيعة الإنسان هكذا..
بما أن الدين والإيمان تكامل روحي والتكامل الروحي لا يتفاعل معه الإنسان إلا إذا وصل إليه عن إرادة واختيار لذلك شاءت حكمة الله أن لا يكون ظهور الدين بالأساليب الإعجازية وإلا لما تفاعل معه الناس، شاءت حكمة الله أن يكون ظهور دينه بالأساليب الطبيعية التي تخلق تفاعلاً عند الناس، بمعنى بأسلوب الصراع بين الشر والخير، الظالمين والمؤمنين، إذا كان ظهور الدين عبر حركة صراع حينئذٍ يتحقق للدين تفاعل ويتحقق للناس قبول لهذا الدين واختيار لهذا الدين لأنه جاء إليهم عن إرادة منهم، أما لو فُرض عليهم بالأساليب الإعجازية ومن دون صراع بين الظالمين والمؤمنين لم يتفاعل الناس مع حركة الإيمان ومع حركة الدين، لذلك قال تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾، وقال تبارك وتعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ الدين لا يأتي بالإعجاز بل أنت تسعى للدين ﴿قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ﴾..
إذن شاءت حكمته أن يخفي الإمام لأن ظهوره سيعرضه لظلم الظالمين، ولو حفظه من ظلم الظالمين لكان ذلك إعجازًا، وإذا كان إعجازًا صار ظهور الدين بأساليب غير طبيعية وإنما بأساليب إعجازية ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾..
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة