حقائق عن السيدة نرجس والدة الإمام المهدي (ع)

, منذ 2 سنة 3K مشاهدة

اذا أعرضنا عن الرواية المشهورة التي تذكر أن السيدة نرجس هي من أحفاد شمعون وصي عيسى (ع) لضعف سند تلك الرواية فهل كانت مملوكة للإمام الهادي (ع)؟

أهمّ نقطة يمكن أن ننطلق بها في بحث هذه الجزئيّة هو بحث من هو مالك أمّ الإمام المهدي (ع) بعد الفراغ من كونها أمة مملوكة كما نطقت بذلك الروايات الكثيرة، وقد نصّت رواية (الرهني) على أنّ الذي اشتراها هو الإمام الهادي (ع)، في حين أنّها تعارض طائفة أخرى من الروايات أخرى تنصّ صراحة على أنّها كانت ملكا لحكيمة بنت الإمام الجواد (ع):

فقد نقل الشيخ الصدوق (رحمه الله) رواية طويلة عن حكيمة (ع) تجيب فيها عمّن سألها عن الحجّة (ع): يا مولاتي هل كان للحسن (ع) ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن (ع) عقب فمن الحجة من بعده وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (ع) ، فقلت: يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته (ع) ، قالت: نعم كانت لي جارية، يقال لها: نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها، فقلت له : يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها: لا يا عمة ولكني أتعجب منها، فقلت: وما أعجبك منها؟ فقال (ع): سيخرج منها ولد كريم على الله عز وجل الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فقلت: فأرسلها إليك يا سيدي؟ فقال: استأذني في ذلك ، قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (ع): فسلمت وجلست، فبدأني عليه السلام، وقال: يا حكيمة ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمد، قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك  الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا، قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمد (ع) وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياما، ثم مضى إلى والده (ع) ووجهت بها معه (ع).

وروى الشيخ الطوسي (رحمه الله) هذا الخبر مرسلا: وروي أنّ بعض أخوات أبي الحسن (ع)  كانت لها جارية ربّتها تسمى نرجس فلما كبرت دخل أبو محمد (ع) فنظر إليها فقالت له: أراك يا سيدي تنظر إليها؟ فقال : إني ما نظرت إليها إلا متعجبا، أما إن المولود الكريم على الله تعالى يكون منها ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن (ع) في دفعها إليه ففعلت فأمرها بذلك[1].

وقد يشكل على هذه الرواية بأمرين:

أولهما: ما تضمّنته من نظر الإمام العسكري (ع) لنرجس (ع)، إذ كيف يتصوّر صدور مثل هذا الأمر من الإمام (ع) ؟

ثانيهما: معارضة هذه الرواية لما ورد في الأخبار الأخرى الصحيحة  من جهل حكيمة (ع) بهويّة أمّ القائم (ع).

ويمكن دفع الإشكالين بالتالي:

أمّا الأوّل فيمكن دفعه بملاحظة أنّ نرجساً (ع) كانت أمة لا حرّة، ومن المعلوم أنّ الأمة يجوز أن ينظر إليها الإنسان بل أن يلمسها ويواقعها إذا كان بإذن مالكها، فكذلك الأمر هنا إذ يظهر من السياق رضا المالكة بذلك الأمر غاية ما في الأمر أنّه لم يصرّح به لفظا لكونه من الأمور البديهيّة إذ لا يمكن أن يصدر مثل هذا من فضلاء الناس فضلا عن شخصيّة بحجة الإمام العسكري (ع).

ونعم ما أجاب به السيد محمد الصدر (رحمه الله) إذ قال: ويأتي الجواب واضحا بسيطا وهو انّه نظر إليها بإذن مالكتها، والمالك إذا أذن لشخص في النظر إلى مملوكته جاز للمأذون له النظر شرعا في حدود إذن المالك، وهذا وإن لم يذكر في الرواية إلّا أنّه أخذ مفروض التحقّق في الرواية للتسالم الواضح في المجتمع المسلم على عدم جواز النظر إلى مملوكة الغير إلّا بإذنه، لذا كان من الواضح في ذهن الراوي أنّ السامع المسلم سوف يفهم تلقائيا وجود الإذن في النظر ومن هنا أهمله من سرده من لفظ الرواية[2].

أمّا الإشكال الثاني، فالجواب عليه موجود في نفس هذه الرواية إذ موضع الشاهد فيها هو سؤال حكيمة (ع) عن هويّة أم المهدي (ع) حيث لازم السؤال هو الجهل بها، إلّا أنّ سبب هذا الاستفسار هو عدم ظهور آثار الحمل عليها كما نصّت هي بنفسها على ذلك، فكان سؤالها من باب التأكّد ورفع التعجّب.

فقد ورد فيها: فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لانصرف فقال (ع): لا يا عمتا بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عز وجل الذي يحيى الله عز وجل به الأرض بعد موتها ، فقلت: ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه عليه السلام فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لان مثلها مثل أم موسى (عليه السلام) لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لان فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى (ع)، وهذا نظير موسى[3].


[1] الغيبة 244.

[2] موسوعة الإمام المهدي 1/260.

[3] كمال الدين 427.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1486 Seconds