تمهيد:
يؤمن الشيعة الإمامية بأن الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام) هو الإمام الثاني عشر، وُلد عام 255 هـ، وغاب عن الأنظار بعد وفاة أبيه سنة 260 هـ، وهو لا يزال حيًا حتى اليوم، محفوظًا بإرادة الله، وسيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا.
لكن السؤال الذي يُطرح منذ قرون: لماذا تأخر ظهوره؟ ولماذا لا يظهر الآن ليخلّص البشرية من الظلم والانحراف؟
أولًا: فلسفة الغيبة والتمهيد للظهور
1. التمحيص والابتلاء
ورد في الروايات أن غيبة الإمام امتحان من الله لتمييز الصادقين من المدّعين:
قال الإمام الباقر (عليه السلام):
«والله لتُمحّصُنّ، والله لَتُميَّزُنّ، والله لَتُغربَلُنّ كما يُغربل الزؤان من القمح».
(الغيبة للنعماني، ج1 ص211)
ففترة الغيبة مرحلة غربلة وتمحيص، يُبتلى فيها الناس ليُكشف عن مدى إيمانهم وصدقهم في الانتظار.
2. عدم وجود قاعدة مؤهّلة لنصرته
إن مشروع الإمام المهدي هو مشروع عالمي ضخم لإقامة دولة العدل الإلهي، وهذا يحتاج إلى:
أنصار مؤمنين مخلصين لا يخونونه كما خانت الأمة الحسين (عليه السلام).
بيئة شعبية واعية تقبل حكمه ولا ترفضه كما رُفض الأنبياء والأوصياء.
حالة نضج اجتماعي وفكري لدى البشرية تؤهلهم لتقبّل حاكمية الله.
ثانيًا: الأبعاد الإلهية والحِكميّة لتأخر الظهور
1. اختبار الإيمان بالغيب
إن الإيمان بوجود الإمام رغم غيبته هو تجلٍ من تجليات الإيمان بالغيب، كما وصف القرآن المؤمنين :
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾
(البقرة: 3)
فالانتظار الحقيقي يعكس:
الصبر
الثقة بوعد الله
الاستعداد الروحي والفكري
2. تكامل السنن التاريخية
ظهور الإمام المهدي ليس حدثًا خارقًا للسُنن الكونية، بل هو في سياق حركة التاريخ:
الصراع بين الحق والباطل
تراكم الظلم حتى يصل إلى الذروة
تصاعد الحاجة العالمية إلى مصلح عادل
عندها يكون الناس مهيئين لقبول حكومة الإمام بلا مقاومة.
ثالثًا: أسباب بشرية لامتداد الغيبة
1. خذلان الأمة للأئمة السابقين
الأمة التي خذلت أمير المؤمنين، وقتلت الحسين، وتآمرت على الأئمة، ليست مؤهلة لحمل مشروع الإمام المهدي.
2. الابتعاد عن المشروع الإلهي
كثير من الناس في التاريخ انشغلوا بالدنيا، وانخرطوا في الظلم أو السكوت عنه، بدل التمهيد للعدل المهدوي.
رابعًا: فوائد الغيبة وتأخير الظهور
رغم ألم الانتظار، إلا أن للغيبة فوائد عظيمة، منها:
حفظ الإمام من القتل كما حصل مع آبائه.
بقاؤه أملًا دائمًا للمؤمنين في ظل الظلم.
تحريك الضمير الجمعي للأمة نحو الإصلاح.
إيجاد حالة الاستعداد العالمي لحكمه.
خامسًا: دورنا في تعجيل ظهوره
بدل التساؤل عن سبب تأخّر ظهوره، يجب أن نسأل أنفسنا: هل نحن مستعدون لنصرته؟ هل نحن من أنصاره أو أعدائه؟
قال الإمام المهدي (ع):
«فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا»
(بحار الأنوار - ج ٥٣ - ص ١٧٦)
التمهيد لظهوره يكون بـ:
تهذيب النفس والتقوى
مقاومة الظلم والفساد
بناء مجتمع العدل
الإكثار من الدعاء والانتظار الإيجابي
✦ خلاصة:
تأخّر ظهور الإمام المهدي (ع) ليس عن عبث، بل وراءه حكمٌ إلهية عظيمة، وسنن تاريخية وتربوية واجتماعية.
الغيبة ليست زمن فراغ، بل هي زمن إعداد وتهيئة.
والمهدي لن يظهر حتى يكون هناك أناس ينتظرونه بصدق، ويعملون لأجله لا فقط يدعون له.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج».
(بحار الأنوار : ج ٥٠ - ص ٣١٨).
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة