السيد محمد علي الحلو
تتجه هذه النظرية إلى إمكانية زواج الإمام المهدي (عليه السلام)، ولابد أن يكون له أولاد مبثوثون في مناطق كثيرة، إلا أن المرجح أن يكون أولاده هؤلاء أقاموا في الجزيرة الخضراء.
أما الجزيرة الخضراء:
فإن فيها من الكلام الطويل الذي لا يمكن الوقوف عليه كله في هذه العجالة. فبعض من استبعد وجود مثل هذه الجزيرة لعدم إمكانية تحقيقها في ظل التطور التقني الذي يكشف كل بقاع العالم، كأجهزة الاتصالات والأقمار الصناعية وآليات التجسس التي توصل إليها التطور العلمي، في حين تبقى الجزيرة الخضراء لغزاً محيراً لم يكتشف وجوده، وقد كتب البعض في هذا الشأن بين مؤيد لوجودها وبين مشككٍ في أمرها.
هذا وقد اعترض البعض على صحة وجود الجزيرة الخضراء فضلاً عن ضعف سند روايتها، فقد أشار إلى أمر يتعلق بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام)، إذ يمكن القول بأن وجود الجزيرة الخضراء يمكن أن تكون مأوى الإمام المهدي (عليه السلام)، ومكاناً لإقامته في حين تشير الروايات إلى أن الإمام (عليه السلام) لا يختار من الأماكن إلا مرتفعاتها، وقد صرح الإمام (عليه السلام) برسالته للشيخ المفيد (قدّس سره) بقوله: (الآن من مستقر لنا يُنصب في شمراخ من بهماء) والشمراخ هو قمة الجبل والبهماء المكان الذي لا يعرف الطريق إليه وفي قوله لابن مهزيار: (إن أبي صلى الله عليه عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها، وتحصيناً لمحلي لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال..) وهذه إشارات إلى إخفاء محل إقامته صلوات الله عليه لم نستفد منها غير أنه صلوات الله عليه لا يعيش إلا في مبهمات الأماكن ومفاوزها ولم يكن للإمام إلا هذه الأمكنة النائية، وإن كان ذلك لا يمنع من إطلاق "النائي" حتى على الجزيرة الخضراء، إلا أن توصيف إقامته (عليه السلام) بهذا الوصف يستشعر فيها المظلومية والمعاناة، وفي الجزيرة الخضراء حيث محل حكم أولاده وحالة الأمن والرخاء في هذه الجزيرة لا يساعد عليه هذا الاستشعار.
وعلى هذا فكيف يمكن الجمع بين وجود الجزيرة الخضراء، وبين ابتعاد الإمام عن أي مكان يضمن له راحته وسعادته كالجزيرة الخضراء التي يحكمها أولاده حسب الروايات.
على أن هذا الاعتراض لا يسلم إذا قلنا إن الجزيرة الخضراء يمكن أن تكون نموذجاً لمجتمعه (عليه السلام) الذي يسعى لتحقيقه من الرخاء والسعادة والأمان، على أن الكثير من أذعن للجزيرة الخضراء وأن وجودها مرهون بإمكانية تأسيس الإمام (عليه السلام) لمجتمع يتزعمه أهل بيته وعيالاته.
وعلى هذا فإن إمكانية القول بوجود الجزيرة الخضراء لا تتعارض مع هذه الاعتراضات، ويمكن لأولئك المذعنين القبول برواية الجزيرة الخضراء أن يعدوا هذا الأمر جزءاً من مهام غيبته (عليه السلام) في تشكيل مجتمع مثالي يتمتع بأطروحته الإصلاحية.
هذا ما يتعلق بأمر الجزيرة الخضراء.لكن الأمر لا يخلو من غرابة، اذ من غير المناسب أن نتوقف في شيء أو نلغي أمراً يعترف به مجموعة من المحققين او الباحثين فضلاً عن علماء أعلام اطمأنوا إلى هذا الامر، دون أن نملك دليلاً علمياً يؤيد ما ندعيه، لذا تبقى مسألة إنكار الجزيرة الخضراء في طور الاحتمالات ولا ترقى إلى القطع واليقين، ولا يخلو إنكار الجزيرة الخضراء من مجازفة علمية، أو تنكّر لمسألة غيبيه يجب الوقوف عندها باحترام، فهذا الكون فيه من العجائب والأسرار ما لم يمكن معرفته بهذه السهولة او انكاره بهذه الطريقة وهل اننا اكتشفنا مجاهل الكون واسراره وبقيت لدينا مسألة الجزيرة الخضراء لنخوض فيها بالإنكار أو الإلغاء؟
إذن فمن المناسب ببحثيات الغيبة عدم إبداء الرأي القطعي في الإنكار أو الإثبات، لتبقى مسألة الجزيرة الخضراء لا تنالها بحوثنا الاحتمالية.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة