ما هي حقوق الإمام المهدي (عليه السلام) على جميع الخلق ؟

, منذ 5 شهر 298 مشاهدة

إنَّ معرفة الحقّ كلَّما كثر وتعاظم كان ذلك موجباً لبيان عظم شخصية صاحب الحقّ, فهي من جهة تشترك مع

الفقرة الأولى في بيان مقام الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن جانب آخر فهي مدعاة للوصول إليه والارتباط به, إذ من الواضح أنَّ الارتباط يختلف شدَّة وضعفاً بالسبب الموصل والرابط المقرّب, فيتغيَّر طردياً باختلاف الرابط قوَّةً وضعفاً.

ومن هنا كان لا بدَّ لتمتين الرابطة وتأصيل العلاقة وتركيزها في نفس المنتظِر من بيان ومعرفة الحقّ الذي عليه تجاه الإمام (عليه السلام)، وقد ذكر الكثير في هذا الشأن في كتاب (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم) للشيخ الأصفهاني (قدّس سرّه)، وهنا نذكر نبذة منها للفائدة، فنقول:

الأوّل: حق الوجود:

كما في توقيع الإمام المهدي (عليه السلام) المروي في الاحتجاج: «فإنّا صنايع ربّنا والناس بعد صنايع لنا»(1)، ويحتمل الحديث عدَّة معانٍ:

المعنى الأوّل: ما روي في الاحتجاج أنَّه: اختلف جماعة من الشيعة في أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) فوَّض إلى الأئمّة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا.

فقال قوم: هذا محال، لا يجوز على الله تعالى، لأنَّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله (عزَّ وجلَّ), وقال آخرون: بل الله أقدر الأئمّة على ذلك وفوَّض إليهم فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً.

فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان, فتسألونه عن ذلك ليوضّح لكم الحقّ فيه، فإنَّه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلَّمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته:

«إنَّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسَّم الأرزاق، لأنَّه ليس بجسم ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. وأمَّا الأئمّة (عليهم السلام) فإنَّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم، وإعظاماً لحقّهم»(2).

حيث يشير هذا التوقيع الشريف الصادر من الناحية المقدَّسة وبصراحة إلى وسائطية أهل البيت (عليهم السلام) في إيصال الفيوضات الإلهية إلى سائر المخلوقات, وإلى هذا تضمَّنت الإشارة أيضاً في دعاء الندبة: «أيْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الأرْض وَالسَّمَاءِ»(3)، ونسبة الفعل إلى السبب والواسطة كثيرة جدّاً في العرف واللغة.

المعنى الثاني: إنَّه العلَّة الغائية والغرض الحقيقي من خلق جميع ما أنشأه وأبدعه الله تعالى من عالم الإمكان، وممَّا يؤيّد هذا المعنى - بأنَّهم (عليهم السلام) العلَّة الغائية للخلق - الكثير من الروايات منها حديث الكساء المشهور(4).

ونكتفي في بيان هذا الحقّ على هذا القدر ونعتقد بأنَّه يفي للتدليل على أنَّ من حقّه (عليه السلام) على الخلق هو (حقّ الوجود).

الثاني: حقّ البقاء:

إضافة إلى أنَّ حقّ الوجود هو من حقوق الإمام والحجّة علينا فإنَّ استمرارية الوجود وبقاء عالم الإمكان مرتبط بالحجّة، والحديث في الكافي الشريف بسند صحيح عن الوشّاء، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام): هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: «لا», قلت: إنّا نروي أنَّها لا تبقى إلّا أن يسخط الله (عزَّ وجلَّ) على العباد. قال: «لا تبقى إذاً لساخت»(5).

وفيه أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام): «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت»(6)، ومن الواضح أنَّه ليس المقصود بالأرض هي مجرَّد هذا الكوكب الذي نعيش عليه، بل هو مجرَّد مثل للحياة, والمقصود أنَّ منبع الحياة سوف ينضب باعتبار أنَّ الأرض هي مركز الحياة والخلافة الإلهية.

وجاء في غيبة النعماني عن الصادق، عن أمير المؤمنين (عليهما السلام): «واعلموا أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة لله (عزَّ وجلَّ)، ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجّة لله لساخت بأهلها»(7).

الثالث: حقّ القرابة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

ففي سورة الشورى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾ (الشورى: ٢٣)، وفي حديث نداء القائم (عليه السلام) حين ظهوره في مكّة يسند ظهره الشريف إلى الكعبة ويكلّم الناس ويقول: «وأسألكم بحقّ الله وحقّ رسوله وبحقّي، فإنَّ لي عليكم حقّ القربى من رسول الله...»(8).

الرابع: حقّ المنعم على المتنعّم، وحقّ واسطة النعمة:

ففي الحديث الشريف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من أتى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتَّى تعلموا أنَّكم قد كافأتموه»(9)، وقد اجتمع الحقّان لمولانا صاحب العصر والزمان (عليه السلام)، فإنَّ ما ينتفع به أهل كلّ زمان إنَّما هو ببركات إمام زمانهم (عليه السلام) كما جاء في الزيارة الجامعة: «وَأوْلِيَاءَ النّعَم»(10).

وفي كتاب بصائر الدرجات عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام): «يا أبا حمزة لا تنامنَّ قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك، إنَّ الله يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد وعلى أيدينا يجريها»(11).

وفي الكافي الشريف عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنَّ الله خلقنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدلُّ عليه، وخزّانه في سمائه وأرضه, بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبـِدَ الله، ولولا نحن ما عُبـِدَ الله»(12).

الخامس: حقّ الوالد على الولد:

فإنَّ الشيعة مخلوقون من فاضل طينتهم (عليهم السلام) كما أنَّ الولد مخلوق من صلب والده، ففي الكافي الشريف عن الرضا (عليه السلام): «الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق»(13).

وفيه أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنَّ الله خلقنا من علّيين وخلق أرواحنا من فوق ذلك وخلق أرواح شيعتنا من علّيين وخلق أجسادهم من دون ذلك، فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحنُّ إلينا»(14).

وفي إكمال الدين عن عمر بن سالم صاحب السابري، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية: ﴿أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ﴾ (إبراهيم: ٢٤)، قال: «أصلها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفرعها أمير المؤمنين (عليه السلام)، والحسن والحسين ثمرتها، وتسعة من ولد الحسين أغصانها، والشيعة ورقها، والله إنَّ الرجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة...»(15).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاحتجاج ١: ٢٦٠.

(2) الاحتجاج ٢: ٢٨٤ و٢٨٥.

(3) المزار لابن المشهدي: ٥٧٩؛ إقبال الأعمال ١: ٥٠٩.

(4) راجع: موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ٧٥ - ٧٨/ ح (٣٦/٣٦)، عن المنتخب الطريحي: ٢٥٣.

(5) الكافي ١: ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة/ ح ١٣.

(6) الكافي ١: ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة/ ح ١٠.

(7) الغيبة للنعماني: ١٤٤/ باب ١٠/ ح ٢.

(8) الغيبة للنعماني: ٢٩٠/ باب ١٤/ ح ٦٧.

(9) مسند أحمد ٢: ٩٩؛ عوالي اللئالي ١: ١٥٧/ ح ١٣٥ بتفاوت يسير.

(10) من لا يحضره الفقيه ٢: ٦١٠/ الزيارة الجامعة.

(11) بصائر الدرجات: ٣٦٣/ باب ١٤/ ح ٩.

(12) الكافي ١: ١٤٤/ باب النوادر/ ح ٥.

(13) الكافي ١: ٢٠٠/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح ١.

(14) الكافي ١: ٣٨٩/ باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهم (عليهم السلام)/ ح ١.

(15) إكمال الدين: ٣٤٥/ باب ٣٣/ ح ٣٠.

المصدر : ثقافة الانتظار ـ تأليف: السيّد محمّد القبانچي

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0988 Seconds