هل هناك علاقة بين قصة النبي يوسف وبين الإمام المهدي (عج) ؟

, منذ 6 شهر 422 مشاهدة

قال تعالى: (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) (يوسف: ٧٧)، إذن يتفاعل وليّ الله الغائب في غيبته وحجّته ودوره محوري مع الأمور والأحداث، يصله ما يحزنه وما يفرحه، لا أنَّه قاصي متفرّج لا يتفاعل مع الأحداث ولا يتأثّر بها سلباً وإيجاباً، فقد ورد الخبر بأنَّ أعمالنا تُعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيحزنه إذا رآى اقتراف الطالح منها، ويسرّه إذا رأى الصالح منها، فكيف بوليّ الله الحيّ، أي في دار الدنيا، وإلاَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيّ عند ربّه، فالحال هنا كذلك.

وقوله تعالى: (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ)، إي إنَّ نبيّ الله ووليّ الله الإمام والخليفة في غيبته يتفاعل مع الأحداث، يتأثّر ويؤثّر، لا أنَّه نائي غارب عازب عن الأمور، حاشا لوليّ الله أن يكون كذلك.

الغيبة والتدبير الإلهي:

بما أنَّ تدبير الله عز وجل يفوق تدبير البشر، حيث إنَّه تعالى يزوّد البشر بالعلم والإحساس والشعور والإدراك، فخالق الإدراك والإحساس والشعور يحيط بتلك الأمور بما لا تحيطه يد البشر، ومن هذا المنطلق فإنَّ التدبير الإلهي ومن خلال رجال الغيب يقوم بإصلاح وإدارة البشر في ظلّ ستار غيبة الشعور بهم وستار حجاب العلم بهم من دون أن يكون هناك ستار عن أصل وجود الحاضر، فالإمام يتعاطى الحدث وإدارة وتدبير البشر والنظام البشري، وهو معنا من دون علم أو معرفة به لكن بهويته وبكيفية دوره، هذا الأمر يؤكّد عليه القرآن دائماً كما مرَّ بنا في سورة القصص وسور أخرى حول ظاهرة النبيّ موسى، وكذلك في سورة النبيّ يوسف (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأْرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأْحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: ٢١)، فأكثر الناس لا يعلمون بكيفية غلبة الله في تدبير الأمور ويقيسون قدرة الله بقدرتهم، أو قدرتهم بقدرة الله، ومن ثَمَّ يجهلون، ومن ثَمَّ ينكرون، ومن ثَمَّ يكذّبون بآيات الله وبحججه، وهذا أمر يجب أن يتوقَّف عنده المسلمون وأن لا يسارعوا إلى الإنكار بمجرَّد إثارة بعض الجاهلين لقدرات الله وآياته.

بعد ذلك تواصل سورة يوسف قصّ حدث غيبة النبيّ يوسف عندما استخلص أخاه، وأذن في أن يتعرَّف عليه دون بقيّة الناس حتَّى أبيه النبيّ يعقوب، (مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ * فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا)، أي إخوة يوسف من أخذ أخيهم الذي كان معهم، الذي هو شقيق يوسف (خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأْرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ * ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ * وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ * قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف: ٧٩ _ ٨٣)، أنظر هذا المقطع في ظاهرة غيبة النبيّ يوسف الذي يسجّله لنا القرآن الكريم في موقف النبيّ يعقوب، وهو أنَّ النبيّ يعقوب لم ييأس من روح الله، عن ظهور المصلح المنجي المنقذ الموعود وهو ابنه، رغم طول الغيبة، رغم يأس إخوته وذويه وأهله، ويأس الناس ممَّن يعرفونه فضلاً عمَّن لم يعرفه ويجهل أمره، أنَّه سيظهر ويكون له موقعية الإصلاح في الأرض في تلك الحقبة الزمنية، فهذا درس اعتقادي وعقدي يسطّره لنا القرآن الكريم بأنَّه مهما طالت غيبة وليّ الله المصلح الموعود لإنقاذ البشرية لا يدعو ذلك المؤمن والمسلم لليأس من روح الله (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (يوسف: ٨٧)، (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) (يوسف: ٨٣ و٨٤)، بعد ذلك في آية أخرى يقول: (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (يوسف: ٨٧).

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإمام المهدي عليه السلام والظواهر القرآنية ـ تأليف: سماحة الشيخ محمّد السند.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1092 Seconds