هل أن عقيدة المهدي خاصة بالشيعة فقط ؟

, منذ 2 سنة 342 مشاهدة

الشيخ فوزي آل سيف

إن الأحاديث التي ذُكرت في شأن الإمام المهدي(عج) هي من الكثرة، بحيث تتجاوز التواتر بمختلف معانيه - لفظاً في بعضها، ومعنى في القسم الأكبر منها - وإجمالاً من ناحية ثالثة.

وقد ذكر بعض الباحثين عدداً من الروايات ولم يستوعبها كاملة، وممن ذكر قسماً منها: المرجع الديني الشيخ لطف الله الصافي في كتابه (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر). حيث ذكر فيه (١٣٠٠) حديثاً في الإمام الحجة (عج) من مصادر مدرسة الخلفاء ومصادر شيعة أهل البيت (ع)، بينما ذكر العلامة المحقق نجم الدين العسكري في كتابه حول المهدي (عج) قرابة (٤٠٠) حديث من كتاب مدرسة الخلفاء

إن هذا المجموع من الأحاديث يبين أموراً مهمة في قضية الإمام المهدي (عج):

١- أن عقيدة المهدي ليست عقيدة مقتصرة على الشيعة الإمامية أو عموم الشيعة ؛ إنما هي عقيدة إسلامية يؤمن بها كل المسلمين.

٢- إن هذه الروايات بلغت من التواتر والكثرة جداً يستحيل معه التواطؤ على الكذب، فالروايات رواها الإمامي والسني والمدني والمكي والكوفي والبغدادي والمعتزلي والأشعري[1] وأهل الحديث... وغيرهم من علماء القرن الاول والثاني والقرون المتأخرة.

3/ يضاف إلى ذلك تعدد مضامين الأحاديث وتكثر معانيها، فبعض هذه الروايات تتحدث عن نسب الإمام المهدي، وبعضها الآخر تتحدث عن صفاته الشخصية، وبعضها عن غيبته، وبعضها عن أيام ظهوره، وبعضها عن خريطة أيام الفتح، وبعضها عن أعدائه، وبعضها عن أنصاره وأعوانه وصفاتهم وأعدادهم.

فهذا التنوع الكبير يعطي لهذه القضية تأكيداً تاماً في أنها ليست قضية عابرة أو جزئية.

ونحن لا نعرف قضية من قضايا الإسلام غير التوحيد تم فيها هذا المقدار من الأحاديث والاهتمام، ومن تناولها بمختلف أنحاء التناول.

ومما يزيد أهميتها أن هذه الأحاديث جاءت في المصادر الرئيسية والأساسية في مدرسة الخلفاء: كمسند أحمد وسنن أبي داوود وابن ماجه والترمذي والنسائي والبيهقي والطبراني والدارقطني ... وغيرهم ممن دوّن أحاديث المهدي[2].

ونود أن نشير إلى جوانب منها:

١- ما جاء في سنن أبي داوود[3] وابن ماجة [4] ومستدرك الحاكم من حديث عن أم المؤمنين سلمة (رضوان الله عليها) عن النبي صلى الله عليه وآله : ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)).

وهذه الإشارة مهمة لكي يقطع النبي صلى الله عليه وآله الطريق على من ادعى المهدوية من غير ولد فاطمة، ويقطع أيضاً ما ادعاه العباسيون في حديث وضعوه عن لسان النبي صلى الله عليه وآله بأن المهدي من ولد عمه العباس. وفي ضوئه حاول أبو جعفر المنصور الذي كان اسمه عبد الله، بتسمية ابنه محمد المهدي، وينطبق على ما ورد في الروايات غير الصحيحة التي ذكرت بأن (المهدي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي) ليحدث تطابق مع ابن المنصور بكونه المهدي.

فالحديث النبوي السابق يقطع هذا الادعاء، الذي تطابق في لقبه؛ ولكن سيرته – أي ابن المنصور - وبداياته اختلفت، بالإضافة إلى إثبات النص أنه لا يمكن أن يكون من المهديين الطاهرين.

٢- عن الإمام أمير المؤمنين (ع) عن النبي (ع) في مسند أحمد بن حنبل[1]في حديث: ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)) أي يدبر الله أمره ويرتبه في ليلة.

٣- حديث عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وآله: ((المهدي أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)).

فهذا بعض مما جاء في أحاديث مدرسة الخلفاء.

أما ما جاء في مصادر أهل البيت من روايات فكثير جداً، وقد أورد الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه كمال الدين وتمام النعمة ، أكثر من 140 حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله والمعصومين بعده ، تعرضت لإثبات عقيدة المهدي كإمام هو الثاني عشر من أهل بيت النبي ، وتناولت شيئا من صفاته ، وقضايا غيبته ، ومواقف الناس منها وغير ذلك من المواضيع المرتبطة به عليه السلام هذا بشكل مباشر وأما الأحاديث التي تعرضت له بشكل غير مباشر في سائر الأبواب من الكتاب فهي أضعاف هذا العدد، ونورد حديثا عن كل معصوم مما جاء في ذلك الكتاب :

 

١- روي عن النبي صلى الله عليه وآله : ((لو لم يبقَ يوم من الدنيا إلا ساعة لطول تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً))[1].

ويلاحظ هنا في الحديث أن الأمر حتمي لا يقبل الترديد والتشكيك إلى حد أنه لو تم تصور نهاية الدنيا ، ولم يبق منها غير ساعة لكانت تلك الساعة بعد إطالتها هي مجال ظهوره، ونشر العدل على يده ، وأن هذا الرجل ليس أي رجل وإنما هو ( من ذريتي ) وهذا مهم جدا فإن من الممكن أن يتسمى شخص باسم رسول الله بل ويتكنى بكنيته لكن لا يستطيع كل شخص أن يكون من ذرية رسول الله . فهذا الحديث بطبيعته ينفي كل أدعياء المهدوية ممن لم يكونوا معروفين من ذرية النبي ، ولن تكون ذريته إلا في بني فاطمة الزهراء عليها السلام .

٢- في حديث عن أمير المؤمنين (ع):

((لِلْغَائِبِ مِنَّا غَيْبَةٌ أَمَدُهَا طَوِيلٌ، كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جَوَلَانَ النّعَمِ فِي غَيْبَتِهِ يَطْلُبُونَ الْمَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ، أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ وَ لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدِ غَيْبَتِهِ فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ))[1].

فلاحظ عبارة: يجولون جولات النعم (الأنعام) في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه...

فهي كناية عن حالة من البحث عن الحقيقة التي هي متلازمة للإنسان أن يتعرف على قيادته وأن يبحث عنه. وأن علاقة هؤلاء بقائدهم وحاجتهم إليه ضرورية كضرورة الطعام للكائن الحي والأنعام.

والملاحظ في هذا الحديث أن فيه تأكيداً على أصل القضية المهدوية وأصل وجوده وغيبته الطويلة وموقف المؤمنين.

وهذا ما يؤكد ما يذهب إليه الإمامية من أن المهدي ولد لابنه الحسن العسكري ثم يغيب غيبة طويلة ولا يصدق على من يولد آخر الزمان، كما يذهب إليه علماء مدرسة الخلفاء.

ولا تصدق الغيبة إلا على من وجد حاضرا ثم غاب لسبب أو آخر ، أما من لم يوجد أصلا ثم يوجد فلا يصح أن يقال أنه غاب ، فإن الغياب في زمن إنما هو فرع الحضور في زمن قبله.

ــــــــــــــــــــــ

[1] عد مؤلف كتاب المهدي المنتظر سابق الذكر، ثلاثين صحابيا ممن نقل عنه أحاديث المهدي.. ص 12.

[2] الطريف أن عدم ذكر البخاري ومسلم لأحاديث المهدي بدل أن يكون مضعفا لفكرة المهدي والاعتقاد به ، أصبح مما يعتذر به لهما من قبل علماء مدرسة الخلفاء ، وذلك يدل على قوة الفكرة والتسليم بها ، فهم يعتذرون عن ذلك بأن البخاري ومسلما لم يذكرا كل الأحاديث الصحيحة ولم يستوعباها بالكامل !! هذا مع أن البخاري ذكر حديث أم سلمة الأتي في كتابه التاريخ الكبير.

[3] 2/ 310.

[4] 2/ 1368.

[5] مسند أحمد 1/ 84.

[6] 1/ 315.

[7] 1 / 331.

 

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1398 Seconds