إنّ إثباتنا لوجود إمام الزمان المهدي من آل محمّد في عصرنا هذا كإثباتنا لوجود الله لمن أنكر وجوده، فكما أنّ الله موجود وحيّ وبيده كلّ شيء، فكذلك حجّته على الخلق لابدّ من ضرورة وجوده وإمامته التكوينيّة والتشريعيّة، وأنّه حافظ سرّ الله، وقطب ومحور وقلب عالم الإمكان، لولاه لساخ العالم بأهله، فإنّ أوّل من يكون في الخلق هو الحجّة وآخر من يكون هو الحجّة، «بكم فتح الله وبكم يختم»، «بكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض».
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
والله ما ترك الله (عزّ وجلّ) الأرض قط منذ قبض آدم إلّا وفيها إمام يُهتدى به إلى الله (عزّ وجلّ)، وهو حجّة الله على العباد(1).
وقال (عليه السلام):
الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق(2).
ولابدّ من مركزيّة في كلّ شيء فإنّ الذرّة مركزها البروتون وتدور حولها الإلكترونات، وهذا قانون حاكم على كلّ الكون، ومركز البشريّة والكون هو الإنسان الكامل جامع الجمع خليفة الله في خلقه، ولولا المركزيّة لاختلّ النظام الحركي الدائري في كلّ شيء، فمركزيّة العالم الإمام الكامل.
قال الإمام الصادق (عليه السلام):
لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام.
وقال (عليه السلام):
إنّ آخر من يموت الإمام لئلّا يحتجّ أحد على الله (عزّ وجلّ) أنّه تركه بغير حجّة لله عليه(3).
قال الإمام الرضا (عليه السلام):
لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت بأهلها.
فإنّه كمفتاح الكهرباء بين المولّدات والبلد، لو اُطفئ لأُطفئ البلد. فالإمام واسطة فيض بين الخالق والخلق، بيمنه رزق الورى وبوجوده تثبت الأرض والسماء.
قال الإمام السجّاد (عليه السلام):
نحن أئمّة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين وقادة الغرّ المحجّلين وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها، ثمّ قال: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة لله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله(4).
ثمّ سبحانه وتعالى وإن كان على كلّ شيء قدير، وأنّه خلق آدم من دون أب واُمّ، وعيسى بن مريم من دون أب، وجعل النار على إبراهيم برداً وسلاماً، إلّا أنّه اقتضت حكمته أن تجري الاُمور بمجراها الطبيعي، إلّا في مقام المعجزة لإثبات النبوّة، فأبى الله أن يجري الاُمور إلّا بأسبابها.
عن مولانا الصادق (عليه السلام):
أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب، فجعل لكلّ شيء سبباً، وجعل لكلّ سبب شرحاً، وجعل لكلّ شرح علماً، وجعل لكلّ علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه وجهله من جهله، ذاك رسول الله ونحن(5).
وقد أمر الله تعالى في كتابه الكريم:
(وَأتُوا البُيُوتَ مِنْ أبْوَابِهَا)(6).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام):
من أتى البيوت من أبوابها اهتدى، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى(7).
والثابت عقلا ونقلا أنّ الأنبياء وأوصياءهم باب الله الذي منه يؤتى، فإمام الزمان باب الله في خلقه، فمن أتاه نجى وسعد، ومن تخلّف عنه هوى وهلك.
ثمّ الإمام (عليه السلام) من أتمّ مصاديق الوسيلة إلى الله (عزّ وجلّ)، وقال سبحانه وتعالى: (وَابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ)(8).
فهو واسطة الفيض بين الكون وبين ربّه، في الهداية التكوينيّة والتشريعيّة، فنفس الإمام ووليّ الله الأعظم وعاء لمشيئة الله وإرادته، ولرضاه وغضبه...
قال صاحب الزمان (عليه السلام):
قلوبنا وعاء لمشيّة الله(9).
فبيمنه رُزق الورى، وبوجوده ثبت الأرض والسماء، وإنّه شمس الخلائق وسرّ الوجود الذي يتجلّى فيه الحقيقة المحمّديّة والعلويّة، وتتبلور به الولاية الإلهيّة والخلافة الكونيّة، وإنّه عين الله في خلقه.
«اللهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني، اللهمّ لا تمتني ميتة الجاهليّة»(10).
«خرج الحسين بن عليّ (عليه السلام) على أصحابه فقال: أيّها الناس، إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلّا ليعرفوه - كما في الحديث القدسي: كنت كنزاً مخفيّاً فخلقت الخلق لكي اُعرف - فإذا عرفوه عبدوه - ففلسفة الحياة وسرّ الخليقة: العبادة بعد المعرفة كما في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)(11) أي ليعرفون ثمّ يعبدون - فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه. فقال له الرجل: يا بن رسول الله بأبي أنت واُمّي فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته»(12).
ضرورة معرفة الإمام وولايته:
فمن عرف إمام زمانه بأنّه مفروض الطاعة والولاية، فوالاه وأحبّه وأطاعه، كما أطاع الله ورسوله، فإنّه كان مؤمناً حقّاً ومات على الإيمان والهداية والعلم:
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطَاعَ اللهَ)(13).
وبهذه الآية الكريمة يستدلّ على حجّيّة السنّة بالكتاب الكريم، كما بحديث الثقلين المتواتر والثابت عند الفريقين يستدلّ على حجّيّة أقوال العترة الهادية والأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، ووجوب إطاعتهم على الإطلاق، لعصمتهم وطهارتهم بآية التطهير وغيرها.
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
«فوالذي نفس محمّد بيده لا ينفع عبداً عمله إلّا بمعرفتنا وولايتنا»(14).
فالإمام واجب الطاعة وإنّه الوسيلة إلى الله، وواسطة الفيض بين الخالق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كمال الدين:١ ٢٣٠.
(2) المصدر نفسه.
(3) الكافي:١ ١٨٠.
(4) كمال الدين:١: ٢٠٧.
(5) اُصول الكافي:١ ١٨٣.
(6) سورة البقرة: ١٨٦.
(7) الكافي:٢ ٤٧.
(8) سورة المائدة: الآية ٣٥.
(9) تفسير نور الثقلين:٥ ٤٨٦.
(10) دعاء الغيبة في آخر مفاتيح الجنان.
(11) الذاريات: ٥٦.
(12) البحار:٥ ٣١٢.
(13) النساء: ٨٠.
(14) البحار:٢٧ ١٩٣.
المصدر : الشاهد والمشهود في المهدي الموعود (عجَّل الله فرجه) ـ تأليف: السيد عادل العلوي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة