العقيقة: من سُنَن الإسلام تُذبَح فداءً عن الولد، وقد ورد فيها: «كلُّ امرئ مرتهن بعقيقته»(١)، وهي من المستحبَّات الشرعيَّة، وقد عقَّ النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن والحسين (عليهما السلام)، وكذلك يفعل المسلمون عند مواليدهم، والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ومن ضمن التدابير التي قام بها لإثبات ولادة ولده الحجَّة (عجّل الله فرجه) أنْ عقَّ عنه بعقاق كثيرة، وممَّا ورد في ذلك:
١ - عن أبي جعفر العمري: لمَّا وُلِدَ السيِّد (عليه السلام) قال أبو محمّد (عليه السلام): «ابعثوا إلى أبي عمرو»، فبُعِثَ إليه، فصار إليه، فقال له: «اشتر عشرة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرِّقه [أحسبه قال: على بني هاشم]، وعُقَّ عنه بكذا وكذا شاة»(2).
ودلالة الرواية على الولادة من جهة أنَّ العقيقة ملازمة لها، بل صُرِّح فيها أنَّها لولادة السيِّد، وقد تضمَّنت نوعين من العقيقة:
الأوَّل: عقيقة اللحم وهي عشرة آلاف رطل، وهو ما يقارب (٤٠٠٠) كيلو من اللحم، فإذا ضممنا له الخبز، فإنَّ نصيب كلِّ شخص رطل من الخبر واللحم، وبذلك وصل الخبر إلى ما يقارب (١٠) آلاف فرد أو عائلة، وهي بدورها تسأل أو بعضاً منهم على الأقل: ما هي مناسبة هذا اللحم؟ كما هو متعارف لدينا، وبذلك ينتقل خبر الولادة بشكل لا ينافي الكتمان المطلوب.
الثاني: قوله: «عُقَّ عنه بكذا وكذا شاة»، وهو يشير إلى عدد كبير نسبيًّا يُضاف إلى العشرة آلاف رطل.
٢ - عن إبراهيم بن إدريس، قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو محمّد (عليه السلام) بكبش وقال: «عُقَّ عن ابني فلان، وكُلْ وأطعم أهلك»، ففعلت، ثمّ لقيته بعد ذلك، فقال لي: «المولود الذي وُلِدَ لي مات»، ثمّ وجَّه إليَّ بكبشين وكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، عُقَّ هذين الكبشين عن مولاك، وكُلْ هنَّأك الله وأطعم إخوانك»، ففعلت، ولقيته بعد ذلك، فما ذكر لي شيئاً(3).
ودلالته على الولادة واضحة، وقوله في المرَّة الأُولى: «مات» يحتمل للتقيَّة أو الخوف على الراوي، أو فعلاً أنَّه وُلِدَ ومات، أو غير ذلك ممَّا لا يضرُّ بدلالة الرواية على المطلوب.
إنْ قلت: إنَّه لم يُعرَف أو يشتهر أنَّ للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ولدين.
قلت: نحن ودلالة الرواية لا بصدد إثبات أو نفي غير ذلك.
وقال بعض أهل العلم والتتبُّع: لعلَّه وُلِدَ فعلاً ومات ثمّ وُلِدَ له المهدي (عجّل الله فرجه)، ويمكن أنْ يُجاب عنه بأنَّه لا أثر له سوى هذا النصِّ الذي يحتمل التوجيه المتقدِّم.
٣ - عن إبراهيم صاحب أبي محمّد (عليه السلام) أنَّه قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو محمّد (عليه السلام) بأربعة أكبش وكتب إليَّ: «بسم الله الرحمن الرحيم، (عُقَّ) هذه عن ابني محمّد المهدي، وكُلْ هنَّأك الله وأطعم من وجدت من شيعتنا»(4).
٤ - عن محمّد بن إبراهيم الكوفي أنَّ أبا محمّد (عليه السلام) بعث إلى بعض من سمَّاه لي بشاة مذبوحة، قال: «هذه من عقيقة ابني محمّد»(5)، ويظهر منها أنَّ العقاق كثيرة، وهذه بعض منها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الكافي (ج٦/ ص٢٥/ باب العقيقة ووجوبها/ ح٣).
(2) كمال الدِّين (ص٤٣١/ باب ٤٢/ ح٦).
(3) الغيبة للطوسي (ص٢٤٥ و٢٤٦/ ح٢١٤).
(4) بحار الأنوار (ج٥١/ ص٢٨).
(5) كمال الدِّين (ص٤٣٢/ باب ٤٢/ ح١٠).
المصدر : دروس استدلالية في العقيدة المهدوية ـ تأليف : الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة