علاقة الخضر بالإمام المهدي (عج): دراسة عقديّة وروائيّة عند الشيعة

, منذ 4 ساعة 40 مشاهدة

مقدمة
يُعدّ الخضر عليه السلام من الشخصيات الغيبية التي حازت اهتمامًا واسعًا في الفكر الإسلامي عمومًا، والشيعي خصوصًا، لما ارتبطت به من رموز ودلالات تتعلق بالعلم الإلهي، والسرّ الغيبي، وطول العمر، والارتباط بعصر الظهور المهدوي. 
وقد وردت في التراث الشيعي روايات متعددة تُشير إلى علاقة خاصّة بين الخضر والإمام المهدي (عج)، حتى عُدّ الخضر أحد خُلّص أنصار المهدي، أو ممن يتولّى مهامّ غيبية في زمن الغيبة الكبرى.
أولاً: من هو الخضر في الرؤية الشيعية
الخضر عليه السلام نبيٌّ أو وليٌّ صالح، عاش منذ عهد موسى عليه السلام، وتُجمع الروايات على أنّه ما زال حيًّا إلى يومنا هذا بإرادة الله تعالى، لحكمةٍ ترتبط بحفظ الدين ومساندة أولياء الله في الأرض.
روى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول: إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وأنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته. (كمال الدين للشيخ الصدوق: ص٣٩٠ و٣٩١).
وهذه الحياة الطويلة تجعل الخضر نموذجًا للعبد الذي حفظه الله في غيبته، كما حفظ الإمام المهدي عليه السلام في غيبته الكبرى.
ثانياً: العلاقة العقديّة بين الخضر والإمام المهدي
يرى علماء الشيعة أن الخضر عليه السلام يُعتبر المثال الغيبي الموازي للإمام المهدي، من حيث طول العمر واحتجابه عن الأنظار، وهذا ما أشار إليه السيد محمد باقر الصدر في كتابه بحث حول المهدي حين قال:

«إن بقاء الخضر عليه السلام حيًّا منذ آلاف السنين دليل عملي على إمكان بقاء الإمام المهدي في غيبته الطويلة، وهو شاهدٌ واقعيّ على قدرة الله في حفظ أوليائه».
فوجود الخضر هو برهان عقلي وروائي على إمكان الغيبة الطويلة، إذ يُستخدم في الاستدلال الكلامي لإثبات أن طول عمر الإمام المهدي ليس أمرًا مستحيلًا ولا مخالفًا للسنن الإلهية.
ثالثاً: العلاقة الروحية والوظيفية
تُفيد بعض الروايات بأنّ الخضر عليه السلام يؤدي دورًا خاصًّا في رعاية الإمام المهدي خلال فترة غيبته، منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال :
« لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بد له في غيبته من عزلة ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة».
مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول المؤلف : العلامة المجلسي    ج : 4  ص : 50 
وبما أنّ من خواصّ أوليائه الخضر عليه السلام فلعله من ضمنهم.
ويُفهم من ذلك أنّ الخضر من المكلّفين بمؤازرة الإمام المهدي في مهامّ غيبية لا يدركها الناس، كما كان من أنصار الأنبياء السابقين.
كما ورد في بعض الأحاديث أن الخضر يحضر مواسم الحجّ كل عام، ويؤنس الإمام المهدي، وربما يلتقي ببعض أوليائه الخواص، ممّا يرمز إلى استمرار التواصل الروحي بين الغيب والشهود.
خاتمة
إنّ علاقة الخضر بالإمام المهدي ليست مجرّد علاقة بين نبي ووليّ، بل هي صلة رمزية وعقائدية عميقة تعبّر عن استمرار الوصل بين الغيب والشهود في منهج أهل البيت (ع). فالخضر شاهدٌ على إمكان الغيبة وطول العمر، ومؤيّد للإمام في مهامه الغيبية، كما أنّ بقاءه حيًّا يذكّر المؤمنين دومًا بأنّ الله لا يترك حجّته في الأرض بلا نصير.
وهكذا، فإنّ الخضر عليه السلام يُعدّ الوليّ الغيبي الممهّد، والرفيق الروحي للإمام المهدي (عج)، ودوره باقٍ ما بقيت الغيبة، إلى أن يأذن الله بالظهور الأكبر وقيام دولة الحق والعدل.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1985 Seconds