هل الإمام المهدي (عج) لا يظهر لعدم وجود الأنصار ؟

, منذ 2 سنة 659 مشاهدة

للإجابة الصحيحة عن هذا السؤال يتوقّف فهم المعنى الصحيح للانتظار، وهل هو بمعنى (الرصد) أو (الحركة)؟

الرأي الأوّل

فإذا كان السبب في تأخير الفرج بظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وثورته الكونيّة الشاملة هو أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، فلابدّ من أن يكون الانتظار بمعنى (الرصد)، فلا يجوز لنا أن نوسّع رقعة الظلم والجور في الأرض، ببداهة الإسلام.

ولا يصح لنا أن نكافح الظلم والجور لأنّ ذلك يؤدي إلى إطالة زمن الغيبة، بموجب هذه الرواية.. فلابدّ من أن نرصد إذن تطوّر الظلم والجور في حياتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية والقضائية، حتى إذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً ظهر الإمام (عليه السلام)، وأعلن الثورة ضد الظالمين والفرج عن المظلومين.

الرأي الثاني

وإذا كان السبب في تأخير الفرج هو عدم وجود الأنصار الذين يُعدّون المجتمع لظهور الإمام والذين يوطّئون الأرض ويمهّدونها لثورته الشاملة، ويدعمون ثورة الإمام ويسندونها، فإنّ الأمر يختلف. فلابدّ من العمل والإعداد والتوطئة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإقامة سلطان الحقّ على وجه الأرض ليأتي الفرج بظهور الإمام (عجّل الله فرجه). وبناءً عليه لا يكون الانتظار بمعنى (الرصد) بل بمعنى (الحركة)، والعمل، والجهاد لإقامة سلطان الحقّ على وجه الأرض؛ الأمر الذي يقتضي إعداداً يوطّئ الأرض لظهور الإمام وثورته الشاملة.

ويختلف معنى الانتظار سلباً وإيجاباً بين (الرصد) و(الحركة) بناءً على هذا الفهم لظهور الإمام (عليه السلام) وظهور الفرج على يده. ونحن نناقش الآن هذه المسألة لنصل إلى الجواب الصحيح.

نقد الرأي الأوّل

لنا مجموعة ملاحظات على الرأي الأوّل، وهي:

١ - ليس معنى أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً هو أن يجفّ نبع التوحيد والعدل على وجه الأرض، ولا تبقى رقعة يعبد الناس عليها الله تعالى، فهذا أمر مستحيل وعلى خلاف سُنن الله تعالى...

وإنّما المقصود بهذه الكلمة طغيان سلطان الباطل على الحقّ في الصراع القائم بين الحقّ والباطل دائماً.

٢ - ولا يمكن أن يزيد طغيان سلطان الباطل على الحقّ أكثر ممّا هو عليه الآن. فقد طغى الظلم على وجه الأرض شرّ طغيان، وأنّ الذي يجري في بلاد البلقان على مسلمي البوسنة والهرسك بأيدي الصرب أمرٌ يقلُّ نظيره في تاريخ الظلم والإرهاب، ولطالما شقّ الصرب بطون النساء الحوامل، وأخرجوا من أرحامُهنَّ الأجنّة، وقتلوا الأطفال الصغار، وقطّعوا رؤوسهم، ولعبوا بها (لعبة الكرة) أمام أعين آبائهم وأُمّهاتهم.

وفي الشيشان يذبح الروس أطفال المسلمين، ويقدّمون لحومهم طعاماً للخنازير. والظلم الذي مارسه الشيوعيون على مسلمي بلاد آسيا الوسطى إبّان الحكم الشيوعي أمرٌ تقشعرّ له الجلود.

وما يجري على المسلمين في سجون إسرائيل من العذاب الوحشي أمرٌ فوق حدود التعبير. وفوق ذلك كلّه وأعظم منه، ما جرى ويجري في العراق من ظلم وتصفية وإبادة وتعذيب واضطهاد للمؤمنين على يد جلاوزة البعث من فئة صدام، ممّا لا يقوى على وصفه التعبير.

... أقول إنّ الذي يجري من الظلم في أقطار العالم الإسلامي على المسلمين، في كلّ مكان تقريباً، أمر رهيب يدلّ على شيء أكثر من الظلم والجور ومن (امتلاء الأرض ظلماً وجوراً)، إنّه يدلّ، ومن دون مؤاخذة، على نضوب نبع الضمير في الأُسرة الدولية المعاصرة، وفي الحضارة البشرية المادية المعاصرة.

ونضوب الضمير مؤشّر خطر في تاريخ الإنسان يعقبه دائماً السقوط الحضاري الذي يعبّر عنه القرآن بـ (هلاك الأُمم).

و(الضمير) حاجة أساسية ورئيسية للإنسان، وكما لا يمكن أن يعيش من دون (الأمن)، ومن دون (الطبّ والعلاج)، ومن دون (الغذاء)، ومن دون (النظام السياسي)، ومن دون (العلم)، كذلك لا يمكن أن يعيش من دون الضمير، ومتى آل أمر هذا النبع إلى النضوب، فإنّ السقوط الحضاري هو النتيجة الطبيعية لهذه الحالة، وبعد السقوط يأتي قانون (الاستبدال) و(التبديل) و(الإرث)، وهذه هي حالة قيام ثورة الإمام (عليه السلام) الكونية وقيام الدولة العالمية الشاملة.

٣ - وقد كانت غيبة الإمام (عليه السلام) بسبب طغيان الشرّ والفساد والظلم، ولولا ذلك لم يغبّ، فكيف يكون طغيان الفساد والظلم سبباً لظهور الإمام (عليه السلام) وخروجه؟

٤ - وبعكس ما يتوقعه بعض الناس يتّجه العالم اليوم باتجاه سقوط المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية الظالمة. فقد شاهدنا بأعيننا كيف سقط الاتحاد السوفيتي خلال بضعة أشهر، وكان مثله مثل بناء خاو، منخور من الداخل لم يتمكن أحد من دعمه وإسناده عند سقوطه.

ورياح التغيير اليوم تهب على أمريكا وتعرّضها لهزّات عنيفة وقويّة في اقتصادها وأمنها وأخلاقها ومصداقيتها، بوصفها دولة كبرى.

إنّ النظام الجاهلي اليوم آخذ بالعدّ العكسي مؤذناً بالسقوط والانهيار، فكيف نتوقع أن لا يزداد هذا النظام قوّة وشراسة وضراوة؟

٥ - على أنّ الذي يوجد في نصوص الغيبة: (يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). وليس (بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً).

وليس معنى ذلك أنّ الإمام ينتظر أن يطغى الفساد والظلم أكثر ممّا ظهر إلى اليوم ليظهر، وإنّما معنى النصّ أنّ الإمام (عليه السلام) إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً، ويكافح الظلم والفساد في المجتمع، حتّى يطهّر المجتمع البشري منه كما امتلأ المجتمع البشري بالظلم والفساد من قبل.

روى الأعمش، عن أبي وائل، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في المهدي (عليه السلام): (يخرج على حين غفلة من الناس وإقامة من الحقّ وإظهار من الجور، يفرح لخروجه أهلُ السماء وسكانها، ويملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً)(١) وفي رواية أُخرى: (يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً)(2).

وفي رأيّي أنّ معنى جملة: (تُملأ الأرض ظلماً وجوراً) أن يكثر الظلم والجور حتّى يضجّ الناس منه، ويفقد الظلم غطاءه الإعلامي الذي يخرجه للناس إخراجاً حسناً، فيبرز للناس في صورته الحقيقية، وتفشل هذه الأنظمة في تحقيق ما تعد الناس به من خير، ويبدأ الناس بعد هذا الإحباط الواسع بالبحث عن النظام الإلهي الذي ينقذهم من هذه الإحباطات، وعن القائد الربّاني الذي يأخذ بأيديهم إلى الله تعالى. وقد بدأت تتعاقب الإحباطات المتوالية في حياه الناس واحدة بعد أُخرى، وكان أعظم هذه الإحباطات سقوط الاتحاد السوفيتي والهزات العنيفة التي تعرّضت لها أمريكا في السنوات الأخيرة، وكلّ واحد من هذه الإحباطات يوجّه الناس إلى النظام الإلهي والقائد الربّاني المنقذ.

هذا، على نحو الإجمال نقد الرأي الأوّل في أسباب تأخير الفرج. والآن نبحث في الرأي الثاني.

الرأي الثاني في أسباب تأخير الفرج

يعتمد الرأي الثاني، في فهم أسباب تأخير الفرج وتأخير ظهور الإمام، الأسباب الموضوعية، وفي مقدمتها عدم وجود العدد الكافي من الأنصار من الناحية الكمية، وعدم وجود الكيفية المطلوبة في أنصار الإمام وشيعته من الناحية الكيفية. إنّ الثورة التي يقودها الإمام ثورة كونيه شاملة، يتولّى فيها المستضعفون والمحرومون الإمامة والقيمومة على المجتمع البشري: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الاْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(3). يرثُ المستضعفون المؤمنون، في هذه المرحلة، ما كان يتداوله الطغاة في ما بينهم من السلطان والمال: (وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، ويتم لهم السلطان على وجه الأرض (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاْرْضِ)(4)، ويطهّر الإمام في هذه المرحلة الأرض كلّها من لوثة الشّرك والظلم (يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً)، ولا يبقى، كما في طائفة من الروايات، في المشارق والمغارب، أرض لا يؤدّى فيها لا إله إلاّ الله.

ومحور هذه الثورة الشاملة (التوحيد) و(العدل). ومثل هذه الثورة لابدّ لها من إعداد واسع، وتوطئة على مستوى عال من الناحيتين الكمية والكيفية، ومن دون هذا الإعداد وهذه التوطئة لا يمكن أن تتم هذه الثورة الشاملة، في سنن الله تعالى في التاريخ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ٥١: ١٢٠.

(2) منتخب الأثر: ١٦٢.

(3) القصص: ٥.

(4) القصص: ٦.

المصدر:  الانتظار الموجّه (دراسة في علاقة الانتظار بالحركة وفي علاقة الحركة بالانتظار)، الشيخ محمد مهدي الآصفي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0597 Seconds