شبهة إبن تيمية حول طول عمر الإمام المهدي والرد عليها

, منذ 1 سنة 671 مشاهدة

قال القفاري في كتابه  أصول مذهب الشيعة ص ١٠٥٢: «إن مما يعرف به كذب دعوى الشيعة وجود إمامها، هو استبعاد بقائه حياً طول هذه المدة التي تجاوزت الآن ألف ومائة سنة؛ فإن تعمير واحد مـن المسلمين هـذه المـدة هـو ـ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد، فـلا يعرف أحد ولد في زمن الإسلام عاش مائة وعشرين سنة فضلاً عن هـذا العمر، وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال في آخر عمره: أرأيتكم ليـلـكـم هـذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد...».

جواب الشبهة

من الشبهات التي تثار ويروج لها، هي مسألة طول عمر الامام المهدي ، وكيـف تؤمنون بإنسان يمد الله في عمره هذه الفترة الطويلة؟ وهذا التساؤل ليس وليد هذه الأيام، بل طرح منذ زمن طويل، وقد أجاب عنـه علماؤنـا رضـوان الله عليهم بأدلـة نـاصـعة لا تقبل الريب والشك، ولكن هناك من يجادل بلا مسوغ علمـي، مدعياً أن الإسلام لا يقبل هذه الفكرة، إذن هو شرك وضلالة وكفر ، وهذا ما دابنا عليه في سطور كـتـاب الدكتور القفاري. وهذا الكلام بطبيعة الحال غير مقبول عندنا؛ لأن كل دعوة لابد أن تخضعها للدليل، فالمفصل الرئيسي والمحور الذي يسبق الخلاف في أي مسألة كانت لابد أن ينطلق من هذه الرؤية، ورؤيتنا ترتكز على أدلة قرآنية صافية، وسنة نبـويـة طـاهرة، هـذا هـو الفيصل والمحور عندنا، وخلاف هذا الكلام فالفطرة السليمة ترفضه، والعقـل بأبـاء، إذن نحـن والدليل.

ابن تيمية والمنافاة بين طول العمر والعادة المطردة

أما ما استشهد به من قول ابن تيمية: «فإن تعمير واحد من المسلمين هذه المدة هـو ـ كما بقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد. ....

فتقول:

لا ملازمة بين الأمرين

إن هذا الكلام باطل جزماً، فلا ملازمة بين الأمرين، وذلك بالبيان التالي:

اولا : إن المادة المطردة ليست هي الدليل؛ وذلك لأن تقدير الله تعالى لأي أمر خاضع لنظام المصلحة، فهناك ملاكات بعلمها ويقدرها المولى جـل شـأنه، وخـوارق العـادات كثيرة لا تحصى، ومسألة طول العمر هي من تلك المعاجز، وهي خاضعة لهذا القانون الإلهي الرباني، فالمصلحة اقتضت تقدير هذا الأمر، وهذا ليس بدعاً، فالقرآن الكريم قـد صدعت آياته المحكمات هذه الحقيقة محدثاً عن شيخ الأنبياء نوح حيث عـاش مبلغاً وداعياً إلى الله قرابة ألف سنة، قال تعالى: (فليـث فـيـهـم ألـف سنة إلا خمسين عامـا) (العنكبوت: ١٤).

وأيضاً امتلأت كتب المسلمين من الفريقين بذكر المعمرين ككتاب (المعمري ) لابي حاتم السجستاني، و إكمال الدين للصدوق، والكراجكي في رسالته التي وسمها باسم «البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان، وغيرهم. إذن فالتشكيك في هذا الأمر في الحقيقة يعود إلى الشك في قدرة الله جل وعلا، الذي يقود في النهاية إلى نسبة الظلم إليه عز شأنه.

ثانياً: إن التفريق والتمييز بين أمة وأخرى ـ سواء كان قبل الإسلام أو بعده ـ لامعنى له، فليس هناك خصوصية أو مدخلية للوقت، فليس بمقدورنا أن نقول: إن هذه الأمة تختلف عن الأمة الأخرى فتلك من الله في عمر أنبيائهم ـ مثلاً ـ وهذه ليس كذلك !! فهذا الكلام خارج عن إرادة الإنسان؛ لأن الملاك في ذلك راجع لتقدير الله وإرادته، وهـو العالم والمقدر لذلك.

ثالثاً: أما ما استشهد به في صحيح البخاري فهو حجة عليهم لا علينا، وهذا واضح. نعم، لو كان احتجاجه من كتبنا تسلّم به، أضف إلى ذلك أنه خير أحاد. قال الشيخ أبو رية: «قال الجمهور: إن أخبار الأحاد لا تفيد العلم قطعاً ولو كانـت مخرجة في البخاري ومسلم... أطلق ابن عبد البر وجماعته: إنه قول جمهور أهـل العـلـم والنظر حتى قال بعضهم: ولو مع قرينة، أي: أنه لا يفيد العلـم ولـو مـع قرينة. وقـال الرازي في تفسيره: ورواية الواحد إنما تفيد الظن) (1).

رابعاً: إن الاستبعاد الذي تفوه به ابن تيمية نستطيع أن نصححه ونضعه في دائرة جريان عادة الطبيعة ، فهذا صحيح، أما بالنسبة لقدرته وإرادته جل شانه اللامتناهية التي يستطيع أن يحيي لها الإنسان ويعمره يوم القيامة يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة قبـل الجنة والنار، وكذلك ما تجده في حياة بعض الأنبياء كالخضر وعيسى وغيرهـم، فتقـدير هذه الأعمار هي من مختصته جل وعلاء وهو الأعلم بالمصلحة، فلا يـسـأل عـمـا يـفعـل وهـم يـسألـون.

الإمكان وعدمه في مسألة طول العمر

لعل الدكتور القفاري وكذلك شيخه ابن تيمية واجها معضلة الإمكان ـ بمعنى كيف يمكن إطالة هكذا عمر كل هذه السنين؟! ـ وهي بالنسبة إليه عقبة كؤود، فلم يستطع أن يتعداها أو يتحملها أو يستسيغها؛ لأنه لم يدرك هذا المعنى بحسب نظرنا لعدة أسباب:

الأول: أنسه بعالم المادة.

الثاني: رفضه للمعجز، وأن الله تعالى قادر على فعل ذلك إذا اقتضت المصلحة. الثالث: رفضه المسبق لهذه الفكرة؛ وذلك لتقليده من سبقه تقليداً أعمى بلا تحريك لعقله، فما هو إلا مقلد لأسلافه، لاسيما ابن تيمية الحراني والقارئ الحصيف بـرى ذلك واضحاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أضواء على السنة، محمود أبو رية، ص277.

المصدر:  حقيقة المهدية والغيبة، يحيى عبد الحسن الدوخي دراسة تأصيلية نقدية لشبهات الدكتور ناصر عبد الله القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة، ص196-199.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0526 Seconds