تعددت الروايات التي نصت على أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة لله تعالى، وبما أنَّه بعد رحيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لا نعرف حجَّة غير الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، فهي دالَّة على أنَّه كان موجوداً بعد رحيل والده (عليه السلام).
ومن هذه الروايات ما رواه الكليني (رحمه الله) عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: «لا»، قلت: يكون إمامان؟ قال: «لا، إلَّا وأحدهما صامت»(1).
والرواية صحيحة السند، وقال المجلسي (رحمه الله) في (مرآة العقول): إنَّها حسنة(2).
وما رواه (رحمه الله) عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إنَّ الأرض لا تخلو إلَّا وفيها إمام، كيما إنْ زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم، وإنْ نقصوا شيئاً أتمَّه لهم»(3).
والرواية معتبرة، وإبراهيم بن هاشم يوجب وصفها بالحسن(4)، وإسحاق ابن عمّار يجعلها موثَّقة(5).
وقد جمع الكليني (رحمه الله) في الكافي في هذا الباب (١٣) رواية، والرواية الخامسة منها وإنْ كانت صحيحة السند لكن دلالتها غير واضحة، لكن الأمر إذا كان مرتبطاً بحساب الاحتمال فهي نافعة في محلِّ كلامنا.
وإنما قلنا إنها غير واضحة الدلالة لأن متنها هو: «إنَّ الله لم يدع الأرض بغير عالم، ولولا ذلك لم يُعرَف الحقُّ من الباطل»(6).
فلفظ (عالم) أعمُّ من الإمام (عليه السلام)، لكن يمكن تجاوز هذا الإشكال الدلالي من خلال قرينتين:
الأُولى: أنَّ العالم يُستَعمل كثيراً في الإمام (عليه السلام).
والثانية: التعليل بأنَّه «لولا ذلك لم يُعرَف الحقُّ من الباطل» الذي يعني أنَّ العالم المذكور يعرف الحقَّ من الباطل، وهو على الإطلاق لا يتحقَّق إلَّا بالإمام المعصوم (عليه السلام).
والقرينة الأُولى قابلة للمناقشة؛ لأنَّ كثرة استعمال اللفظ في معنى لا تستوجب ظهوره فيه إذا ورد بغير قرينة، إلَّا إذا استوجب ذلك الوضع التعيُّني، أي أنْ يصبح المعنى المستعمل فيه اللفظ معنى حقيقيًّا له. هذا أوَّلاً.
وثانياً: إذا هُجِرَ استعماله في المعنى الأوَّل فيصبح كالمنقول، أو من المنقول الذي وُضِعَ لمعنى جديد وترك الاستعمال فيما وُضِعَ له أوَّلاً.
نعم، هذه القرينة تنفع في نفي البعد عن إرادة الإمام المعصوم (عليه السلام) من لفظ (العالم) فيما إذا توفَّرت قرينة ودلالة على أنَّ المراد هو الإمام (عليه السلام).
وقد ورد في بعضها أنَّها لا تخلو من إمام، وهي في المجموع تامَّة الدلالة. نعم، بعضها ضعيف السند، لكن الذي يبحث عن التواتر لا يمنعه ضعف السند. نعم، ضعف السند يجعل عدد الروايات التي لا بدَّ من توفُّرها أكبر.
ومن تلك الروايات ما دلَّ على أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة.
وقد ذكر الكليني (رحمه الله) خمس روايات تحت هذا العنوان(7)، وهي وإنْ كانت غير ناهضة لضعفها السندي، إلَّا أنَّها نافعة في تجميع القرائن الاحتماليَّة.
والرواية الأُولى والثانية والرابعة ضعيفة السند، والثالثة مرسَلة، والخامسة مجهولة.
وكان متن الأُولى: «لو لم يبقَ في الأرض إلّاَ اثنان لكان أحدهما الحجَّة».
والثانية: «لو بقي اثنان لكان أحدهما الحجَّة على صاحبه».
وفي الثالثة: «لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام»، وقال: «إنَّ آخر من يموت الإمام؛ لئلَّا يحتجّ أحد على الله (عزَّ وجلَّ) أنَّه تركه بغير حجَّة لله عليه».
وقريب من الأُولى والثانية متن الرابعة والخامسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١).
(2) راجع: مرآة العقول (ج ٢/ شرح ص ٢٩٤).
(3) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٢).
(4) راجع: معجم رجال الحديث (ج ١/ ص ٢٨٩ - ٣٢٢/ الرقم ٣٣٢).
(5) راجع: معجم رجال الحديث (ج ٣/ ص ٢١٢ - ٢٢٤/ الرقم ١١٦٣ - ١١٦٦).
(6) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٥).
(7) الكافي (ج ١/ص ١٧٩ و١٨٠/باب (أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة).
المصدر : إرساء المحكمات وتبديد الشبهات في القضية المهدوية ـ تأليف : الشيخ كاظم القره غولي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة