المهدي من ولد فاطمة (ع).. ماذا عن الأحاديث المختلفة في تحديد نسبه؟!

, منذ 5 سنة 4K مشاهدة

- السيد ثامر العميدي

اختلفت الاَحاديث الواردة بكتب الفريقين اختلافاً ظاهرياً في بيان نسب الاِمام المهديّ (عليه السلام ، ولكن لا يعني هذا الاختلاف ـ مع لحاظ التقييد والاِطلاق ـ عدم الائتلاف فيما بينها، إذ بالإمكان الجمع بينها بأحد الوجوه المنصوص عليها في باب تعارض الخبرين إذا سلمت أسانيدها من كلّ طعن وشين، وتعادلت كفّتها مع الاَحاديث الاَخرى المصرّحة بأنّه من وُلْد الاِمام الحسين (عليه السلام) .

* والملاحظ على الاَحاديث المبيّنة لنسب الاِمام المهديّ أنّها تكاد تنحصر ـ من حيث الصحّة ـ بأنّه قرشيٌّ، هاشميٌّ، علويٌّ، حس ينيٌّ، مع تفريعات أُخرى لا تحمل تناقضاً ولا تعارضاً ولا اختلافاً يذكر، إذ نصَّ بعضها على أنّه من قريش.

وبعضها على أنّه من بني هاشم.

وبعض آخر على أنّه من أولاد عبد المطّلب.

وهذه الطوائف الثلاث لا اختلاف بينها ولا تعارض أصلاً؛ لاَنّ أولاد عبد المطّلب هم من بني هاشم، وبنو هاشم من قريش، و كلّ واحد من أولاد عبد المطّلب له أْن يقول: أنا هاشميٌّ قرشيّ.

ولمّا كانت قبيلة قريش ينتسب إليها الهاشميّون وغيرهم، وبنو هاشم أنفسهم كثرٌ، فيكون ذِكر كون المهديّ من أولاد عبد المطّلب مقيّداً لِما قبله من إطلاق، والمطلق يحمل على المقيّد بالاتّفاق، فالنتيجة إذاً: إنّه من أولاد عبد المطّلب، وبعضها نصَّ على أنّه من أولاد أبي طالب.

وفي بعض آخر أنّه من أولاد العبّاس.

وظاهر أحاديث الطائفتين التعارض والاختلاف، اللّهمّ إلاّ أنْ يقال ـ من باب التسليم بصحّة أحاديث الطائفتين ـ: إنّ أُمّ المهديّ عبّاسيّة، وأباه من أولاد أبي طالب، وبهذا يرتفع التعارض والاختلاف.

ولكن عند التحقيق يظهر أنّ جميع أحاديث كون المهديّ من وُلْد العبّاس إمّا ضعيفة أو موضوعة، بما لا نحتاج معها إلى عملية الجمع المتقدّمة؛ لاَنّها جمع بين الضعيف أو الموضوع من جهة، وبين الصحيح الثابت من جهة أُخرى، وعلى هذا فيبقى المهديّ من أولاد أبي طالب ـ في هذه الطائفة ـ بلا معارض.

* وفي طائفة أُخرى من الاَحاديث التصريح بأنّه من آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وفي طائفة أيضاً أنّه من أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وفي أُخرى أنّه من عترة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وفي هذه الطوائف الثلاث لا يوجد أدنى تعارض أو اختلاف، لاَنّ (الآل) و (العترة) هم (الاَهل) كما صرّح به أقطاب اللغة.

قال ابن منظور: «وآل الله، وآل رسوله، أولياؤه، أصلها (أهل) ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير (أأل)، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً»  لسان العرب[1].

كما صرّح في لسان العرب بأنّ (العترة) هم (أهل البيت) مستدلاًّ بحديث: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» قال: «فجعل العترة أهل البيت[2]».

وإذا علمنا بأنّ عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام هو من أهل البيت بالاتّفاق، ويؤيّده حديث الكساء المشهور عند سائر المحدِّثين: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي» تبيّن لنا وبوضوح كيف أنّ الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع النقاط على الحروف في تشخيص نسب المهديّ كما صرّحت به طائفة جديدة من الاَحاديث.

ومفاد هذه الطائفة، أنّه من أولاد عليٍّ عليه السلام .

ولمّا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد أعقب من سيّدة النساء سبطي هذه الاَمّة، كما أعقب من غيرها بعد وفاتها (عليها السلام) ذكوراً، لذا جاءت طائفة أُخرى من الاَحاديث لتبيّن للناس جميعاً أنّ المهديّ الموعود به في آخر الزمان إنّما هو من أولاد سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) .

ولا شكّ في أنّ الاَحاديث التي تنصّ على كونه من أولاد فاطمة الزهراء (عليها السلام) تقيِّد ما قبلها جميعاً، فتحمل عليها .

وقد جُمعت هذه الطوائف من الاَحاديث في حديث واحد وهو الحديث المرويّ عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: «المهديّ حقٌّ هو؟ قال: نعم، قال: قلت: ممّن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أيّ قريش؟ قال: من بني هاشم، قلت: من أيّ بني هاشم؟ قال: من بني عبد المطّلب، قلت: من أيّ بني عبد المطلب؟ قال: من وُلْد فاطمة[3]» .

وقد أخرج هذا الحديث ابن المنادي، عن سعيد بن المسيّب مسنداً إلى أُمّ سلمة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، باختلاف يسير[4] .

على أنّ حديث: «المهديّ حقٌّ، وهو من وُلْد فاطمة» قد سُجِّل في أربعة وثمانين مصدراً مهمّاً من مصادر الفريقين، أمّا مصادر أهل السُنّة وحدهم فقد وصلت إلى ستّة وخمسين مصدراً، وما تبقّى من العدد المذكور فهو من مصادر الشيعة الاِمامية، كما هو مفصّل في معجم أحاديث الاِمام المهديّ عليه السلام[5] .

ولا بأس هنا أْن نسجّل بعض من صرّح بصحّته:

 

منهم: البغوي في «مصابيح السُنّة» حيث عدّه في فصل الحسان[6] ، وصحّحه القرطبي المالكي في التذكرة[7] نقلاً عن الحاكم النيسابوري، وكذلك السيوطي في الحاوي للفتاوى[8] ، والجامع الصغير[9] .

ومنهم من قال بتواتره صراحة، كالبرزنجي في «الاِشاعة» قال: «أحاديث وجود المهديّ، وخروجه آخر الزمان، وأنّه من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من وُلْد فاطمة عليها السلام ، بلغت حدّ التواتر[10]» .

فالنتيجة المتّفق عليها بين أهل السُنّة والشيعة الاِمامية ـ إلى هنا ـ هو كون الاِمام المهديّ عليه السلام من وُلْد فاطمة الزهراء عليها السلام .


[1] لسان العرب 1 : 253 مادّة «أهل».

[2] لسان العرب 9 : 34 مادّة «عتر».

[3] الفتن لابن حمّاد ـ: 101، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|154 رقم 81.

[4] الملاحم والفتن ـ لابن المنادي ـ: 41، نقلاً عن معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1|154 رقم 81.

[5] معجم أحاديث المهديّ عليه السلام 1: 136 رقم 74.

[6] مصابيح السُنّة: 492 رقم 4211.

[7] التذكرة: 701.

[8] الحاوي للفتاوي 85: 2

[9] الجامع الصغير 2 : 672 رقم 9241.

[10] الاِشاعة في أشراط الساعة: 87.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0501 Seconds