هل هناك نيابة خاصة عن الإمام المهدي (عج) في زمن الغيبة الكبرى ؟

, منذ 1 سنة 444 مشاهدة

تنشأ هذه الظواهر المغرضة إما في المجتمع المفلس والمضطهد من نير الظلم والفقر والاضطهاد والاحتلال، وعدم وجود الملجأ والمأوى. هذا من جهة، ومن جهة أخرى القائد يريد لنفسه المشروعية وكثرة النصرة وتسكين ما سيحل عليهم من أضرار المواجهة، فيتوسل بمثل هذه الدعاوى. لأن هذه الدعاوى بشكل عام تجر نفعاً لأصحابها، فتكون الدعاوى دكاناً للتكسب وتحصيل الوجاهة، سيما إذا كان أصحابها نكرات أو أصحاب أمراض نفسية، وإما إن هذه الدعاوى حركات مسيّسة يدفعها الحبر السحري. فالساسة يختلقون هذه الحركات لشغل المسلمين بينهم ولتمزيق صف الأمّة، وإما لتحصيل الورقة الخضراء للتسويغ في ارتكاب المعاصي والمحرمات، وكيفما كان فإن أدلة هذه الدعاوى تتراوح بين:

1 _ الاستعانة بالتراث غير الثابت والأدلة الواهية.

2 _ أو الاعتماد على بعض العلامات العامة المذكورة في الروايات والسعي إلى تطبيقها، كما في دعوى مهدي السودان.

3 _ أو التعويل على العلوم الغريبة والمبهمات والفنون الشاذة المحرمة بنظر الشرع.

4 _ أو محاربة العلماء وطريقتهم، والإستعانة بالطرق الروحية الصوفية الهندوسية.

5 _ أو إقامة الأدلة السطحية التي تنطلي على جمع من البشر، إذ ما من مدع إلاّ وله أدلة، لاسيّما أدلة الكشف والشهود والمنامات والإلهامات. وتكون تلك الأدلة قريبة (بالنظر الأولي غير الفاحص) إلى أدلة الأنبياء والأوصياء. ومن هنا يقيسون أدلتهم على أدلة الأنبياء والأوصياء، وإن الطعن في أدلتهم طعن في أدلة الأنبياء والأوصياء، لكن بالنظر الفاحص والرجوع إلى المتخصص يظهر البون الشاسع بين الدليلين، وعليه لا بدّ من مواكبة المتخصص والتعويل عليه للتشخيص والتطبيق في كل خطوات الدليل.

ألم يدّع الربوبية؟ ألم يقم الدليل على ذلك؟ ألم يكن هناك أنصار لها؟ فإن الهمج الرعاء ينعقون مع كل ناعق، ألم يسجل التاريخ آلاف الدعاوى الفاسدة والمذاهب الضالة؟ فليس بغريب دعوى المهدوية أو البابية أو المهديون أو نحو ذلك. وإن الموجب لتلك الدعاوى هو الموجب لهذه الدعاوى، وإن المعالج لتلك الدعاوى هو المعالج لمثل هذه الدعاوى.

نتائج البحث:

1 _ لا شك في وجود الدعاوى الباطلة والواهية. وهي ليست بقليلة وصدرت في مختلف الأماكن والأزمان، ولم يمر زمن إلاّ وفيه دعاوى باطلة. وليست ظاهرة الإنحراف مستحدثة، بل هي موجودة على مر الأزمان، كما أنه لا شك في أن أصحاب هذه الدعاوى لكسب المقبولة يتشبثون بالأدلة والاستعانة بظاهرة الترغيب والترهيب. وقد عالج أهل البيت عليهم السلام هذا الإنحراف بإرجاع الأمّة والقواعد الجماهيرية إلى العلماء الرواة.

وبكلمة إن الذين أوصلوا لنا روايات أهل البيت عليهم السلام في ظاهرة الإمام المهدي هم الذين حدّثونا عن معالجات فترة الغيبة الكبرى، وهم الذين قالوا: (المفيد الحق عندنا أن كل من ادّعى بعد السمري البابية فهو ضال كافر. وهذا هو قول جعفر بن محمّد بن قولوية)(1)... وغيرهم.

وهم الذين نقلوا لنا رواية: (من ادعى الرؤية في زمن الغيبة الكبرى فلا تصدقوه).(2) وورد: (ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر).

وحينئذٍ كيف يمكن الجمع بين هذه الرواية وبين ما هو المسجل في أسفار القوم من التشرف برؤية الإمام.

الجمع الأوّل إن المقصود من الرؤية مع السفارة والنيابة، أي من ادّعى الرؤيا على سبيل النيابة الخاصة فلا تصدقوه، لأن المفروض أنه في زمن الغيبة الكبرى لا توجد نيابة شخصية، نعم الثابت النيابة العامة لقوله عليه السلام: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وإنا حجة الله).

2 _ إن المقصود بالرؤية التي يراد منها ترتيب آثار معينة على قول الرائي، لأن هذا أمر مشكل، وهو أن يأتي إنسان فيقول: رأيت الإمام عليه السلام وقال لي: كذا. فإنا إذا فتحنا الباب أمام هذا المعنى يعني أن نصدق كل من يدعي الرؤية. فإن ذلك يولد إرباكاً كبيراً في العقائد وفي الأحكام ومن هنا ذكر العرفاء إن مدعي المكاشفة لا يصدق، بل كما أن العلوم الحصولية بحاجة إلى ميزان لصحتها، كذلك العلوم الحضورية لا بدّ لها من ميزان على صحتها. وهكذا الكلام في مدعي الرؤية وإلاّ لزم التناقض. فإن مدعي الرؤية يدعون أحياناً التكاذب والتكفير والقتل. فالمتحصل إن المقصود من النائب في زماننا هو عبارة عن الفقيه العادل الجامع للشرائط الذي يقوم مقام الإمام عليه السلام في تبليغ أحكام الدين، وفي إدارة شؤون المسلمين وحفظ بيضة الإسلام، ولا يحق للنائب أن ينقل عن الإمام مباشرة. ولا يوجد عندنا نائب اليوم من النواب ينقل مباشرة عن الإمام، وإنما نرى علماءنا من بداية عصر الغيبة إلى يومنا يدعون الإجماع والاتفاق على نفي النيابة الخاصة في عصر الغيبة الكبرى.

هذا هو المستفاد من الروايات حسب الرؤية المذهبية وما سوى ذلك لم يثبت أنه من المذهب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منتهى المقال 7: 489.

(2) كمال الدين.

* المصدر : الإساءة إلى القائم عليه السلام ليست أول قارورة كسرت في الإسلام ـ تأليف: السيد أحمد الإشكوري 

تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله فرجه

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0611 Seconds