هل يمكن أن يلتقي الإمام المهدي في هذا الزمان ببعض الأشخاص ؟

, منذ 1 سنة 1K مشاهدة

إننا متى فسرنا غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) بأنها تعني اختفاء شخصه وعدم التمكن من رؤيته، فيجب أن نلتفت إلى أن هذا الاختفاء ليس على الإطلاق، بل قد يظهر الإمام نفسه للآخرين فيشاهدونه ويتحدثون معه، ويكون هذا الظهور بمقدار المصلحة التي يقدرها الإمام المهدي نفسه، وبعد انتهاء هدف الظهور والغرض الذي يتوخاه الإمام يغيب عن الأنظار، فلا يراه أحد رغم أنه لم يغادر المكان.

ومن الأحداث التاريخية الدالة على هذا النوع من الغيبة، وأنه من الممكن أن يظهر الإمام المهدي متى اقتضت الضرورة ذلك، ما حدثنا به التاريخ من ظهوره أثناء الغيبة الصغرى مرتين لعمه جعفر، وقد نقلهما السيد محمد الصدر في ص 314-315 من (تاريخ الغيبة الصغرى)

وأما أخبار الظهور والمشاهدة خلال الغيبة الكبرى، فكما يقول السيد محمد الصدر في ص33 من تاريخ الغيبة الكبرى: (بعضها ظاهر في الدلالة على ذلك، بل منها ما هو صريح به، بل أن بعض هذه الأخبار تتوسع فتنسب الاختفاء إلى فرسه الذي يركبه، وخادمه الذي يخدمه، بل حتى الصراف الذي يحوّل عليه شخصاً لأخذ المال)

وهذا يعني أن الإمام المهدي وإن كان غائبا عنا بشخصه، إلا أنه موجود بيننا، ومطلع على أحوالنا، ويتدخل في حل ما يحتاج إلى حل حتى وإن أدى ذلك إلى ظهوره ومشاهدته، كما أنه لا يوجد أي مانع عقلي من أن يقوم بوظيفته دون أن يضطر إلى الظهور، وذلك كله يعود إلى ما يقدره هو، مما يعني أن غيابه ليس مانعا له من القيام بوظيفته صلوات الله وسلامه عليه.

غيبة العنوان ليست مانعة من التصرف:

وكذلك على القول بأن غيبته عجل الله فرجه هي غيبة العنوان، فهي أيضا ليست مانعة له من التصرف، ولا تحد من قيامه بوظيفته، تماماً كما هو الحال في ذلك الولي الصالح الذي كان في زمن نبي الله موسى (عليه السلام)، وكان يقوم بواجباته ومسؤولياته المناطة به من رب العالمين دون أن يعرفه أحد بشخصه بما في ذلك الكليم موسى ابن عمران (عليه السلام) الذي لم يتعرف عليه إلاّ بتعريف من الله تبارك وتعالى.

والقصة مذكورة بتفاصيلها في القرآن الكريم من الآية (60) إلى الآية (82) من سورة الكهف، فلو تأملنا تلك الآيات الكريمات جيداً، لوقفنا على حقائق مهمة نستطيع أن نجملها فيما يلي:

1 ـ إن ذلك الولي (الذي هو الخضر) قد شمله الله برحمة خاصة، كما أن علمه علم لدنيّ، كما نستفيد ذلك من قوله تعالى في الآية 65 من سورة الكهف: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.

2- للخضر غيبة، هي (غيبة العنوان)، فالناس يرونه ويكلمونه لكنهم لا يعرفونه، فها هو يركب مع الناس في السفينة، ثم يذهب إلى القرية ويقابل أهلها ويطلب منهم الطعام، ومع ذلك لم يتمكن أحد من معرفته، بل حتى نبي الله موسى (عليه السلام) لم يتعرف عليه إلاّ حين أرشده الله إليه وعرّفه عليه.

3 - إن غيبة الخضر لم تمنعه عن متابعة الأمور ومراقبة الأحداث، بل كان دقيقاً جداً في المراقبة والمتابعة إلى درجة أنه لم يخفَ عليه أمر ذلك الملك الظالم الذي يأخذ كل سفينة غصبا، ولم يجهل حقيقة ذلك الغلام الذي لو بقي حياً لأرهق والديه طغياناً وكفرا، ولم يغب عنه خبر اليتيمين اللذين كانا في المدينة وكان أبوهما صالحاً ولهما كنز تحت جدار كاد أن يسقط في تلك القرية التي مرّ عليها وبرفقته الكليم موسى (عليه السلام).

4- كما أن غيبة الخضر(عليه السلام) لم تمنعه من متابعة الأحداث كذلك لم تمنعه عن حلها، فها هو يقوم بخرق السفينة، ويقتل الغلام، ويقيم الجدار الذي يريد أن ينقض... فهو إذن متمكن من التصرف، وغيبته لم تسلبه القدرة عن فعل ما فيه مصلحة البلاد والعباد.

5- لم يقم الخضر بكل ما قام به من تلقاء نفسه، وإنما انطلاقا من الأوامر الإلهية الصادرة إليه من الله تعالى، يدلنا على ذلك قوله بعد ما بين لموسى فلسفة أفعاله كما في الآية 82 من سورة الكهف: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا}

فهو إذن من الأولياء والصالحين الذين يعملون ما فيه الخير والصلاح للبشرية، ويأخذون بأيدي الناس إلى الحق، ويهدونهم للتي هي أقوم في ظل التسديد الإلهي الذي شملهم به الباري تبارك وتعالى، وهذا - قطعا- ليس مختصا بالخضر، بل هو عام وشامل، فالله تعالى يؤيد الأولياء والأئمة ويسددهم سواء كانوا ظاهرين أم مستترين.

6- إن هؤلاء الأولياء الإلهيين قد يقومون بأعمال إصلاحية كبيرة، ولكن سائر الناس يجهلون تلك الأعمال ولا يعرفون عنها شيئاً، أو يطلعون عليها ولكنهم يعجزون عن فهمها وعن معرفة المنافع المترتبة عليها، بل قد يعدونها من الأعمال المستنكرة، وقد رأينا الخضر يخرق سفينة، ويقتل غلاماً، وهذا في ظاهره من الأعمال القبيحة التي استنكرها حتى نبي الله موسى (عليه السلام) رغم علمه أنها صادرة من عبد صالح آتاه الله رحمة من عنده وعلّمه من لدنه علما، ولذا قال للخضر حين خرق السفينة كما في الآية 71 من سورة الكهف: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}، وقال له بعد قتله الغلام كما في الآية 74 من السورة نفسها: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}

والخلاصة التي نريد الوصول إليها من هذا العرض، هي أن خفاء عنوان الشخص وعدم معرفة الناس له لا يعيقه عن القيام بدوره في الحياة، بل على العكس من ذلك، فقد يجعله ذلك متمكناً من القيام بدوره أكثر مما لو كان معروفاً عند الآخرين.

ألا ترى رجال الأمن والشرطة إذا أرادوا انجاز المهمات الكبيرة أو القبض على العصابات الخطيرة كيف يتنكرون ويظهرون للناس في غير شخصياتهم الحقيقية حتى يظنهم الناس من العامة، فيكون هذا التنكر وعدم معرفة الآخرين لشخصياتهم هو خير وسيلة لهم تمكنهم من متابعة الأحداث ومراقبة الأمور إلى أن ينجزوا مهماتهم بنجاح باهر، مما يدل على أن تنكر هؤلاء الأشخاص وخفاء شخصياتهم الحقيقية على الآخرين، ليس فقط لم يعقهم عن أداء رسالتهم والقيام بواجبهم، بل كان هو خير معين لهم على ذلك.

وهكذا الحال بالنسبة للإمام المهدي فإن غيبته ليس فقط لن تمنعه عن أداء رسالته، بل هي خير معين له على ذلك، فلو كان ظاهراً للناس معروفاً بينهم لأصبح مهدداً بالقتل، مطارداً من قبل الطغاة والمجرمين، مما يضطره إلى الفرار منهم، والاختفاء عنهم في الملاجئ، وحينها لن يتمكن من القيام بأي دور في الحياة، ولكن غيبته المباركة منحته الأمن والطمأنينة، ومكنته من القيام بأعماله الإصلاحية على أكمل وجه، فكم له عليه السلام وهو في غيبته من مساعدة محتاج، وإرشاد ضال، وتفريج هم، وكشف كرب، ومعالجة مريض، وحل مشاكل، وتعليم عالم مسألة يجهل حلها... إلى ما هنالك من أمور وقضايا وقفنا على بعضها، وربما ما خفي عنا منها أكثر وأكبر وأعظم.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0879 Seconds