الشيخ محمد السند
فهو غائب ، وسينكشف دوره في البشرية عند الظهور ، ومن الخطأ أن نعتقد أنّ الغيبة بمعنى الزوال ، أو أنّه يعيش بعيداً في جزيرة خضراء أو حمراء ، فهو غائب بمعنى أنّه متستّر ومتخفّي ، لا أنّه غائب بمعنى أنّه غير متصدّ أو أنّه متفرّج على ما يحصل ، وهناك حتّى في التراث الشيعي بعض المفاهيم المغلوطة ، فهناك من يقول : إنّ عليّاً كان لمدّة خمس وعشرين سنة جليس البيت ، وهذا خطأ ، هم أزاحوه وأبعدوه عن منصبه الذي نصّبه الله فيه ، ولكن كان له دوره، الذات الإلهية (1).
وهذه من أبجديات عقائد الشيعة، ومع هذا تصدر بعض الكتابات للأسف ، تقول : "إنّ الإمام الحجّة (عجل الله فرجه الشريف) ليس متصدّياً، وهذه الإحصائيات الكبيرة المهولة التي لا تمتلكها أيّ دولة من الدول، وإحصائياتهم تخفق ولا تصيب الواقع، ولا تستقصي الواقع، والكثير من المجهولات يسعون للحصول عليها بطرق مختلفة وقنوات مختلفة ولا يحصلون عليها، وكلّها تنزل على مهدي آل محمّد (عجل الله فرجه الشريف)، فماذا يصنع بها؟ قال الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِي} (2)، والملائكة هي مخلوقات عالمة تنزل بالمعلومات، وهم رسل المعلومات، وموجودات حيّة شاعرة تحمل العلم، والروح الأعظم من عالم الأمر، أي: الملكوت، ولم يقل على من يشاء من رسله أو أنبيائه، وإنّما قال: من عباده للدلالة على أنّ الملائكة تنزل على غير الأنبياء وهم الأئمة، والملائكة لا ينزلون ليلة القدر إلاّ على منزل له، ولا ينزلون اعتباطاً، وقوله تعالى: {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، أي: أنّ الملائكة تنزل على من اصطفى الله من عباده، ومن شاء الله أن يكون مصطفى من بين الخلق، فهل الملائكة ينزلون اعتباطاً بلا فائدة ليلة القدر؟! والإمام هو مخزن هذه المعلومات التي يتلقاها ليلة القدر، وهو الذي ترسل إليه المعلومات، وبإجماع المسلمين أنّ ليلة القدر لن تنقطع إلى قيام الساعة فمن الذي تتنزل عليه الملائكة؟ وهي ليلة المعلومات وليلة النظم وليلة التدبير لكلّ سنة، فماذا يقال عن ليلة القدر؟ أيقال إنّها نزعة باطنية؟! إنّها ليست نزعة باطنية »(3) (4).
ففي الأمالي للشيخ الصدوق عن علي بن الحسين (عليهم السلام)، قال : نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وبنا ينشر الرحمة، ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها .
قال ( عليه السلام ) : ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله (5) .
أية الله العلامة السيد الطباطبائي (قدس):
"أن الآيات النافية للعلم بالغيب عنه وعن سائر الأنبياء عليهم السلام إنما تنفيه عن طبيعتهم البشرية بمعنى أن تكون لهم طبيعة بشرية أو طبيعة هي أعلى من طبيعة البشر من خاصتها العلم بالغيب بحيث يستعمله في جلب كل نفع ودفع كل شر كما نستعمل ما يحصل لنا من طريق الأسباب وهذا لا ينافي انكشاف الغيب لهم بتعليم إلهي من طريق الوحي كما أن إتيانهم بالمعجزات فيما أتوا بها ليس عن قدرة نفسية فيهم يملكونها لأنفسهم بل بإذن من الله تعالى وأمر، قال تعالى: ( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) (6) ، جوابا عما اقترحوا عليه من الآيات ، وقال: ( قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين ) (7)، وقال : وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } (8). ويشهد بذلك قوله بعده متصلا به: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} فإن اتصاله بما قبله يعطي أنه في موضع الاضراب، والمعنى: إني ما أدري شيئا من هذه الحوادث بالغيب من قبل نفسي وإنما أتبع ما يوحى إلي من ذلك(9).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خلصان، مالك مهدي 1: 348.
(2) سورة النحل، الآية:2.
(3) سورة النحل، الآية: 16.
(4) خلصان، مالك مهدي، ج1، ص377.
(5) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 252 – 253.
(6) سورة الاسراء، الآية:93.
(7) سورة العنكبوت، الآية: 50.
(8) سورة المؤمنون، الآية: 78.
(9) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج19، ص64.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة