كيف يمارس الإمام المهدي مهامه وهو غائب عن الأنظار ؟

, منذ 2 سنة 1K مشاهدة

الرسول (صلى الله عليه وآله) الفائدة في وجوده وإمامته. وإذا وصلنا إلى روح هذا السؤال استطعنا أن نعممه على سائر الأئمة الحاضرين قبل الغيبة في المجتمع الإسلامي ولكنهم لم يكونوا قادرين على ممارسة مهامهم الاجتماعية والسياسية وهي إدارة شؤون الدولة الإسلامية وقيادة الأمة الإسلامية قيادة علنية كما كان يمارسها الخلفاء والحكام بعد عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) .

إذن ينسحب هذا السؤال الخطير على إمامة جميع الأئمة المعصومين ما عدا فترة من حياة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفترة قصيرة جداً من حياة الإمام الحسن المجتبى وأخرى من حياة الإمام الحسين .

و من هنا انطلق بعض الكتاب المعاصرين للتشكيك في إمامة الأئمة الاثني عشر متجاوزاً بهذا الإشكال إمامة الإمام المهدي المنتظر من أهل البيت (عليهم السلام) .

هذا الاعتراض من أساسه إذا استطعنا أن نتصور للإمـام الغائب دوراً اجتماعياً أو سياسياً يقوم به في عصر غيبته.

كما استطعنا أن نصور لسائر الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) أدواراً اجتماعية وسياسية كانوا يقومون بها في حياتهم.

و يندفع إذا كان الإمام الغائب لا يستطيع ممارسة واجباته السياسية والاجتماعية، إذن هما فرض الحصار والرقابة الشديدة عليهم مما أدى هذا النوع من النشاط والدور إلى عدم تحمل وجودهم أحياء في أوساط الأمة الإسلامية، فبادر الحكام إلى عزلهم بالكامل و محاصرتهم حتى في داخل بيوتهم وحياتهم الشخصية، فكان الإمام الرضا (عليه السلام) ولياً للعهد ولكنه كان مراقباً على الدوام من قبل المأمون العباسي، وكانت زوجـة الإمـام الجواد (عليه السلام) بنت المأمون فهي خير رقيب عليه وسجن الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام) في سامراء إلى جانب قصر الخليفة.

ولم تدم أعمار هؤلاء الأئمة طويلاً ولم تبلغ حتى متوسط العمر الطبيعي لكـل إنسان بالرغم من كونهم أصحاء غير مبتلين بمرض يودي بحياتهم.

إذن تأريخ أهل البيت (عليهم السلام) الحافل بالجهاد والنشاط الاجتماعي والسياسي غير المباشر خير دليل على أن أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل بيت الرسالة والأمناء عليها شـاء الناس أم أبوا ذلك، وهم يمارسون واجباتهم كأئمة هداة على أي حـال وفـي كـل الظروف وإن انتهت ممارساتهم الجهادية إلى القتل والسـبي والتشريد والاضطهاد و السجن حيث لا تأخذهم في الله لومة لائم، كما شهد تأريخهم المجيد بذلك.

إن تأريخ أهل البيت (عليهم السلام) بدءاً بالإمام علي (عليه السلام) وانتهاء بـالإمام العسكري (عليه السلام) و هم يعيشون مختلف الظروف السياسية والاجتماعية القاسية حافل بصور الجهاد التي عند غيرهم من المسلمين وحينئذ ألا يكون جهاد أصحاب هذا الخط المؤزر بالتضحيات دليلاً واضحاً ومنطقياً على أنهم أعرف بمهامهم وأنهم لا يتخلون عنها بأي شكل لم نجد لها مثيلاً.

و من هنا سوف يولد هذا الاستقراء لنا اطمئناناً نفسياً على أن الإمام المهدي (عليه السلام) كسائر آبائه الطاهرين يمارس مهامه وهو غائب عن الأنظار كما يمارسها و هو حاضر ولا يتلكأ في ذلك رغم حراجة الظروف وصعوبتها. بل لعله بغيبته يكون أقدر على الممارسة والتحرك.

على أن مهام الأئمة الأطهار لا تتلخص في ممارسة العمل السياسي أو الجهادي المكشوف بل إنها تستوعب كل أوجه النشاط الاجتماعي والسياسي والثقافي للأمة والمجاهديها و علمائها و رموزها بشكل مباشر أو غير مباشر إن تعذر التوجيه المباشر.

ولا يبعد أن يكون نشاط الإمام الاجتماعي والسياسي في غيبته أكثر وأكبر حجماً من نشاطه مما لو كان ظاهراً يعرف بشخصه في عصر الغيبة الذي نتكلم عنه.

ثن إن النشاط السياسي أو الاجتماعي هو أحد مهام الإمـام المعصوم التي تشمل الأمة المسلمة والرسالة الإسلامية وما يتعلق بهما بـل الإنسانية جمعاء و تبدأ هذه المهام بصيانة الرسالة والشريعة من التحريف وصيانة الأمة الإسلامية من الانهيار والاضمحلال وبالتالي صيانة وجودهم السياسي وكيانهم الدولي من الضعف إن أمكن ذلك ثم قيادته العلنية للأمة الإسلامية إن توفرت ظروفها وشروطها.

إذن هنا عدة مهام مترتبة من حيث الأهمية.

و حين يعزل الإمام من مركز القيادة العلنية للأمة فإنه يضطر لممارسة دوره القيادي وسائر مهامه من وراء الستار.

ونحن لا نستطيع أن ننكر ممارسته لدوره بعد أن قام الدليل النقلي والعقلي على وجوده واستمرار حياته وضرورة بقائه ولو كان ذلك بقدرة إلهية خاصة. ويشهد بقاء الأمة الإسلامية بالرغم من أنها قد مرت بظروف عصيبة جدا كانت من شأنها أن تضمحل بالكامل وبقاء مشعل الحـق فـيـهـا مـتوهجاً على مدى القـرون و استمرار روح الثورة والجهاد ضد الباطل بالرغم من شراسته و هيمنته على العـالم أجمع، كل ذلك يشهد على أن بدأ غيبية ترعى هذه الأمة المسلمة وأن قلباً واعياً وهادياً يوقد مشعل الحق الهادي على مدى العصور.

وقد أشارت جملة من النصوص الروائية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) وبعضها عن الإمام المهدي (عليه السلام) بالذات إلى كيفية الانتفاع به في عصر الغيبة بحيث تتحقق بعض الإمام المهدي بالذات إلى كيفية الانتفاع به في عصر الغيبة بحيث تتحقق بعض الأغراض إن لم تتحقق جميعها قبل توفر الشروط اللازمة لإقامة دولة العـدل الموعود ـ وحينئذ سوف لا يكون وجوده لغواً بـل يـكـون ضرورياً إذا أخـذنـا كـل الأهداف البعيدة و القريبة من وجوده بنظر الاعتبار. فمن ذلك قوله المشهور: وأما وجه الانتفاع في غيبتي، فكـالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب . وأضاف : وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء.

فالسحاب كناية عن خفاء العنوان، والشمس كناية عن التأثير النافع المنتج في المجتمع بعد وضوح أن العمل الذي يمكن للمهدي تنفيذه مع جهل الناس بحقيقته و عنوانه ـ أي في غيبته ـ أقل بكثير مما يستطيع القيام به حال ظهوره وإعلان أمره. و من ذلك: ما روي عن الإمام المهدي الا أيضاً في نص له بهذا الخصوص: إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله". و نحن نعلم أن وقوفها ضد الأعداء ونزول اللأواء ـ و هي الشدائد ـ لا يكون إلا بالعمل المثمر والجهاد الحقيقي على الصعيدين العام والخاص. وخاصة وهو يأمرنا بمظاهرته أي معاونته وموافقته على إخراجنا من الفتنة والنجاة من الهلكة. فإن على كل فرد مسؤولية تامة في ذلك، ولا تنحصر المسؤولية بالقائد كما هو واضح، بل أن شعوره بالمسؤولية لا يكاد يكون مثمراً ، دون شعور شیعته ورعيته بمسؤوليتهم تجاه قائدهم ومبدأهم أيضاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:  تاريخ الإسلام، ج4، ص٢٢٥-227.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0690 Seconds