لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمل المشاق والاذى، فإن منازل الائمة وكذلك الانبياء (عليهم السلام) إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى.
فإن قيل: هلا منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟.
قلنا: المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه والامر بوجوب اتباعه ونصرته والتزام الانقياد له، وكل ذلك فعله تعالى، وأما الحيلولة بينهم وبينه فإنه ينافي التكليف، وينقض الغرض [به]، لان الغرض بالتكليف استحقاق الثواب، والحيلولة ينافي ذلك، وربما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق، فلا يحسن من الله فعلها.
وليس هذا كما قال بعض أصحابنا: إنه لا يمتنع أن يكون في ظهوره مفسدة وفي استتاره مصلحة، لان الذي قاله يفسد طريق وجوب الرسالة في كل حال وتطرق القول بأنها تجري مجرى الالطاف التي تتغير بالأزمان والاوقات، والقهر والحيلولة ليس كذلك، ولا يمتنع أن يقال: [إن] في ذلك مفسدة ولا يؤدي إلى إفساد وجوب الرئاسة.
إن قيل : أليس آباؤه (عليهم السلام) كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد؟.
قلنا: آباؤه (عليهم السلام) حالهم بخلاف حاله، لأنه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم أنهم لا يرون الخروج عليهم، ولا يعتقدون أنهم يقومون بالسيف ويزيلون الدول، بل كان المعلوم من حالهم أنهم ينتظرون مهديا لهم، وليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم (ولم يخافوا جانبهم).
وليس كذلك صاحب الزمان (عليه السلام)، لان المعلوم منه أنه يقوم بالسيف ويزيل الممالك ويقهر كل سلطان ويبسط العدل ويميت الجور، فمن هذه صفته يخاف جانبه ويتقي فورته، فيتتبع ويرصد، ويوضع العيون عليه، ويعنى به خوفاً من وثبته وريبة من تمكنه فيخاف حينئذ ويحوج إلى التحرز والاستظهار، بأن يخفي شخصه عن كل من لا يأمنه من ولي وعدو إلى وقت خروجه.
وأيضاً فأبآؤه (عليهم السلام) إنما ظهروا لأنه كان المعلوم أنه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسد مسده من أولادهم، وليس كذلك صاحب الزمان (عليه السلام)، لان المعلوم أنه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف، فلذلك وجب استتاره وغيبته، وفارق حاله حال آبائه (عليهم السلام)، وهذا واضح بحمد الله.
فإن قيل: بأي شيء يعلم زوال الخوف وقت ظهوره أبوحي من الله؟ فالإمام لا يوحى إليه، أو بعلم ضروري؟ فذلك ينافي التكليف، أو بأمارة توجب عليه الظن؟ ففي ذلك تغرير بالنفس.
قلنا: عن ذلك جوابان: أحدهما أن الله تعالى أعلمه على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، وأوقفه عليه من جهة آبائه (عليهم السلام) زمان غيبته المخوفة، وزمان زوال الخوف عنه، فهو يتبع في ذلك ما شرع له وأوقف عليه، وإنما أخفي ذلك عنا لما فيه من المصلحة، فأما هو فهو عالم به لا يرجع [فيه] إلى الظن.
والثاني أنه لا يمتنع أن يغلب على ظنه بقوة الامارات بحسب العادة قوة سلطانه، فيظهر عند ذلك ويكون قد أعلم أنه متى غلب في ظنه كذلك وجب عليه، ويكون الظن شرطاً والعمل عنده معلوما، كما نقوله في تنفيذ الحكم عند شهادة الشهود، والعمل على جهات القبلة بحسب الامارات والظنون، وإن كان وجوب التنفيذ للحكم والتوجه إلى القبلة معلومين، وهذا واضح بحمد الله.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة