ما هي أسباب الغيبة الصغرى للإمام المهدي (عج) ؟

, منذ 2 سنة 3K مشاهدة

كان للإمام المهدي (عجل الله فرجه) غيبتان: صغرى وكبرى أخبرت عنهما معاً الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وعن الأئمة المعصومين من أهل بيته (عليهم السلام) كما نشير لذلك لاحقاً، بل وأشارت إليها بعض نصوص الكتب السماوية السابقة.

تبدأ الغيبة الصغرى من حين وفاة أبيه الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (٢٦٠هـ) وتولى المهدي مهام الإمامة إلى حين وفاة آخر السفراء الأربعة الخاصين بالإمام المهدي - عجل الله فرجه – وهو الشيخ علي بن محمد السمري في النصف من شعبان سنة (٣٢٩هـ) تزامناً مع ذكرى ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)، فتكون مدتها قرابة السبعين عاماً، وقد تميزت هذه الفترة بكثرة الرسائل الصادرة عنه (عليه السلام) في موضوعات عديدة، وكذلك بوجود السفراء الخاصين والوكلاء الذين كان يعينهم مباشرة.

وهذه الفترة مثلت مرحلة انتقالية بين الظهور كان مألوفاً في حياة آبائه وبين الاستتار الكامل في عهد الغيبة الكبرى.

أما الغيبة الكبرى فقد بدأت إثر وفاة الشيخ السمري إذ أمره الإمام بعدم تعيين خليفة له، بعد أن أستنفذت الغيبة الصغرى الأهداف المطلوبة منها والغيبة الكبرى مستمرة إلى يومنا هذا وستستمر حتى يأذن الله تبارك وتعالى للإمام بالظهور والقيام بمهمته الإصلاحية الكبرى وتميزت الغيبة الكبرى بانتهاء نظام السفارة الخاصة عن الإمام، وبقلة الرسائل الصادرة عنه وبالاستتار الكلي إلا في حالات معينة.

اسباب الغيبة الصغرى والتمهيد لها

كانت غيبة الإمام المهدي عجل الله فرم كإجراء تمهيدي لظهوره اقتضته الحكمة الإلهية في تدبير شؤون العباد بهدف تأهيل المجتمع البشري للمهمة الإسلامية الكبرى التي يمثلها الله تبارك وتعالى على يديه (عليه السلام)، والتي تتمثل في إظهار الإسلام على الدين كله وإمامة الدولة الإسلامية العادلة في كل الأرض وتأسيس المجتمع التوحيدي الخالص الذي يعبد الله وحده لا شريك له دونما حرف من كبد منافق أو مشرك كما لست على ذلك النصوص الشرعية التي تتناولها في الفصل الخاص بسيرته (عليه السلام) بعد ظهوره.

 

إن الانحراف الذي ساد الكيان الإسلامي لقد أبعده عن الدور الريادي المطلوب الذي أراده الله سبحانه له أي لكي يكون كيان خير أمة أخرجت للناس وترسخ الانحراف الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي حتى أفقده أهلية القيام بهداية المجتمع البشري نحو العدالة الإسلامية التي فقدها المسلمون أنفسهم وفقدوا معها الكثير من القيم الإلهية الأصلية حتى اختفت مظاهرها من حياتهم.

والانحراف السياسي- الذي سبب انحرافات أخرى - كان قد طغى على كيان المسلمين واستشرى الفساد في حكوماتهم التي لم يكن لها هدف سوى التمادي في الملذات المحرمة والتناحر الداخلي بدوافع سلطوية ومطامع استعلائية في الأرض حتى غابت صورة الخليفة الخادم للرعية المدافع عن كرامتهم الإنسانية ومصالحهم الدنيوية والأخروية وحلت محلها صورة الحاكم المستبد الذي لا هم له سوى الفساد والاستعلاء في الأرض والاحتفاظ بالعرش بما أمكنه ولو كان على حساب سحق أبسط القيم التي جاء بها من يرفعون شعار خلافته أي النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ولذلك أجتهدوا في محاربة أئمة الهدى من عترته كما لاحظنا في تعليل الإمام العسكري وانه للمطاردة الأموية والعباسية لهم وخاصة للمهدي الموعود .

إذن فالكيان الإسلامي - وبالتالي المجتمع البشري - لم يكن مؤهلاً بالفعل لتلك المهمة الإصلاحية الكبرى التي تحملها المهدي الموعود، لعل من أوضح مظاهر ذلك موقفه من الثورات العلوية الكثيرة التي كانت تتفجر في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي لكنها كانت تواجه بقمع وحشي أو خذلان سريع أو أنحرف سريع عن أهدافها المعلنة وتحويلها إلى حكومة سلوطية كسائر الحكومات الفاسدة المعاصرة لها بعيدة عن الأهداف الإصلاحية الإسلامية الكبرى (1).

في ظل هذه الأوضاع وفي ظل الجهود المستميتة التي كانت تبذلها السلطات العباسية للقضاء على المهدي كما تقدم، كان لا بد من احاطة الإمام (عليه السلام) وبستار يمكنه من المساهمة - كحجة الله على عباده – في إعداد المقدمات اللازمة لظهوره دون أن يعرضه لخطر الإبادة وفقدان البشر لحجة الله الموكل بحفظ الشريعة المحمدية، وهذا الستار هو الذي سمي بـ(الغيبة). وإلى هذا السبب أشارت مجموعة من الأحاديث الشريفة عن ان أحد أسرار الغيبة هو الخشية من القتل وهذه العلة تنطبق على الغيبة الصغرى ولمة علل أخرى ترتبط بتأهيل المجتمع البشري للظهور .

تمهيــد الـنبـي (صلى الله عليه وآله) والأئمة لغيــة الإمـام المهـدي (عليه السلام) وسجلت المصادر الإسلامية الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأئمة اهل البيت (عليهم السلام) التي أخبرت عن حتمية وقوع غيبة الإمام المهدي - عجل الله فرجه- وقد نقلنا نماذج أخرى لها.

فمنها ما رواه الحافظ صدر الدين ابراهيم بن محمد الحموني الشافعي (644- ٧٢٢هـ) في كتابه فرائد السمطين. وغيره بأسانيدهم عن ابن عباس أن يهوديا أسمه نعثل ويكنى أبا عمارة جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسأله عن أشياء ترتبط بالتوحيد والبنوة والإمامة فأجابه عليها فأسلم الرجل وقال:

أشهد أن لا أله إلا الله وأنك رسول الله وأشهد أنهم الأوصياء بعدك ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة وفيما عهد إلينا موسى (عليه السلام): إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له: (أحمد) خاتم الانبياء لا نبي بعده، يخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط.

فقال (صلى الله عليه وآله): يا أبا عمارة أتعرف الأسباط، قال: نعم يا رسول الله أنهم كانوا أثني عشر.

قال: فإن قيم لاوي بن ارحيا. قال: أعرفه يا رسول الله وهو الذي غاب عن بني أسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله.

وقال (عليه السلام): كائن في امتي ما كان من بني أسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وأن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا أسمه ولا من القرآن إلا رسمه فحينئذ يأذن الله له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين. ثم قال (عليه السلام): طوبى لمن. أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم، والويل لمبغضهم (2).

وروي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من أنكر القائم من ولدي في غيته مات ميتة جاهلية (3).

وقال (عليه السلام): والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيين القائم من ولدي سعيد معهد الله منه حتى يقول الناس ما لله في آل محمد من حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه ملتي ويخرجه من ديني (4).

وقال (صلى الله عليه وآله): جعل من صلب الحسين أئمة ليوصون بأمري ويحفظون وصيتي التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهجي امتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ليظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة فيعلمن أمر الله ويظهر دين الحق...(5).

وقال (صلى الله عليه وآله): (لا بد للغلام من غيبة) فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال يخاف القتل) (6).

وقال (صلى الله عليه وآله) المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم يأتي بذخيرة الأنبياء (عليهم السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً (7).

وعن الإمام علي (عليه السلام) قال ضمن حديث: ولكني فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون...(8).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(۱) أجرى السيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره) دراسة التمثيلية وثائقية قيمة استنادا لمعسكر التاريخ الأسلاكي لخصوصيات هذه الحقبة من التاريخ من السعيد الاطلاع عليها في كتابه تاريخ الغيبة الصغرى.

(2) فرائد السمطين ۲ / ۱۳۲.

(3) کمال الدين ٤١٣، كفاية الأثر: 66، والأحاديث النبوية بهذا المعنى كثيرة راجعها في معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) القسم الخاص باحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) ١/١٦٧- ٢٥٦.

(4) کمال الدين 51، إثبات الهداة: 3/ 4٥٩.

(5) كفاية الأثر 10.

(6) علل الشرائع: ٢٤٣/١ وهنه في بحار الأنوار ٥٢/٩٠.

(7) فرائد السمطين: ٢/ ٣٣٥ سليمان الحنفي: 488.

(8) الكافي للكليني: «/ 273.

 

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1736 Seconds