الدور الأوّل: هداية المؤمنين وحفظهم:
الحوادث التي نُقِلَت في بيان حرص الإمام (عليه السلام) على شيعته وحفظه لهم كثيرة جدّاً، نقتصر منها على موقفين:
الموقف الأوَّل:
أمره بعدم قبض الحقوق الشرعية، خوفاً على وكلائه، وحفظاً لهم من الوقوع في أيدي السلطة.
روى الشيخ الكليني (قدّس سرّه) عن الحسين بن الحسن العلوي، قال: كان رجل من ندماء روزحسني وآخر معه، فقال له: هو ذا يجبي الأموال، وله وكلاء، وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهي ذلك إلى عبيد الله بن سليمان الوزير، فهمَّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان: اُطلبوا أين هذا الرجل، فإنَّ هذا أمر غليظ.
فقال عبيد الله بن سليمان: نقبض على الوكلاء؟ فقال السلطان: لا؛ ولكن دسّوا لهم قوماً لا يُعرَفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قُبِضَ عليه.
قال: فخرج بأن يتقدَّم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن يمتنعوا من ذلك ويتجاهلوا الأمر.
فاندسَّ لمحمّد بن أحمد رجل لا يعرفه، وخلا به، فقال: معي مال أُريد أن أُوصله.
فقال له محمّد: غلطت، أنا لا أعرف من هذا شيئاً.
فلم يزل يتلطَّفه، ومحمّد يتجاهل عليه.
وبثوا الجواسيس، وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدَّم إليهم(1).
الموقف الثاني:
خروج النهي عن زيارة مقابر قريش، أي قبري الإمام الكاظم والجواد (عليهما السلام)، وقبر الإمام الحسين (عليه السلام)، حفظاً للمؤمنين من إيذاء السلطة لهم.
روى الشيخ الكليني (قدّس سرّه) عن عليِّ بن محمّد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحير، فلمَّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يُتفقَّد كلُّ من زار فيُقبَض عليه»(2).
الدور الثاني: مواجهة الانحراف والتيّارات الضالّة:
وأمَّا دور الإمام المهدي (عليه السلام) في مواجهة الانحرافات العقائدية والتيّارات الضالّة في زمانه فكثيرة، فواجه التيّار الذي ادَّعى الوكالة والنيابة والذي يتمثَّل بالشلمغاني، وواجه التيّار الذي ادَّعى الإمامة بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) المتمثِّل بجعفر الكذّاب ابن الإمام الهادي (عليه السلام).
يقول قطب الدين الراوندي (قدّس سرّه): (وإنَّ موسى بن عمران على نبيِّنا وعليه السلام كان مبتلىً بابن عمِّه (قارون)، كما أنَّ القائم المهدي (عليه السلام) كان مبتلىً بعمِّه (جعفر الكذّاب). وإنَّ الله تعالى دفع معرَّته عن المهدي (عليه السلام)، وجعل كلمته العليا، وأخافه من المهدي (عليه السلام). فإنَّه لمَّا توفّي الحسن العسكري (عليه السلام) اجتمع أصحابه للصلاة عليه في داره، فجاء جعفر الكذّاب ليُصلّي عليه، والشيعة حضور، إذا هم بفتى جاء وأخذ بذيله وأبعده من عند أبيه، وصلّى عليه، وائتمَّ الناس به، وبقي جعفر الكذّاب مبهوتاً متحيِّراً لا يتكلَّم، فلمَّا فرغ من الصلاة على أبيه خرج من بين القوم وغاب، فلا يُدرى من أيِّ وجه خرج)(3).
وهذه المواجهة للانحرافات هي من صميم دور الأئمَّة (عليهم السلام) المتمثِّل في حفظ الدين، وهداية الناس، والوقوف في وجه أهل الضلال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ١: ٥٢٥/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح ٣٠.
(2) الكافي ١: ٥٢٥/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح ٣١.
وإليك ما قاله الشيخ المفيد (رحمه الله): (أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوفّى سنة (٣٢٣هـ)، كان متقدِّماً في أصحابنا ومستقيم الطريقة، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديَّة، فظهرت منه مقالات منكرة، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية، له كتاب الغيبة). راجع: الفصول العشرة: ١٦ و١٧/ الرقم ٣٦.
(3) الخرائج والجرائح ٢: ٩٣٩.
المصدر : معالم مهدوية ـ تأليف : الشيخ نزار آل سنبل القطيفي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة