ماذا نستفيد من الإمام المهدي (عج) وهو غائب عنا ؟

, منذ 2 سنة 889 مشاهدة

 قال الشيخ المفيد (طيب الله ثراه) :   
فأمّا قول الخصوم: إنّه إذا استمرّت غيبة الإمام على الوجه الّذي تعتقده الإماميّة _ فلم يظهر له شخص، ولا تولى إقامة حدّ، ولا إنفاذ حكم، ولا دعوة إلى حقّ، ولا جهاد العدوّ _ بطلت الحاجة إليه في حفظ الشرع والملّة، وكان وجوده في العالم كعدمه.
الغيبة لا تنافي حفظ الشرع والملّة
فإنّا نقول فيه: إنّ الأمر بخلاف ما ظنّوه، وذلك أنّ غيبته لا تُخلّ بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملّة، واستيداعها له، وتكليفها التعرّف في كلّ وقت لأحوال الأمّة، وتمسّكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الّذي ينفرد به دون غيره من كافّة رعيّته.
ألا ترى أنّ الدعوة إليه إنّما يتولاّها شيعته، وتقوم الحجّة بهم في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولّي ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام تظهر نايباً عنهم والمقرّين بحقّهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتّى عن علّتهم (كذا) ومستقرّهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت أيضاً نايباً عنهم بعد وفاتهم، وتثبت الحجّة لهم في ثبوتهم بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وقد يتولاّها أمراء الأئمّة وعمّالهم دونهم، كما كان يتولّى ذلك أمراء الأنبياء عليهم السلام وولاتهم، ولا يخرجونهم إلى تولّى ذلك بأنفسهم، وكذلك القول في الجهاد، ألا ترى أنّه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمّة دونهم، ويستغنون بذلك عن تولّيه بأنفسهم.
فعُلم بما ذكرناه أنّ الذي أحوج إلى وجود الإمام ومنع من عدمه مما اختصّ به من حفظ الشرع، الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه ومراعاة الخلق في أداء ما كلّفوه من أدائه (آدابه).
فمن وجد منهم قائماً بذلك فهو في سعة من الإستتار والصموت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه، وضلّوا عن طريق الحقّ فيما كلّفوه من نقله ظهر لتولّي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجّة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه، وهذ بيّن لمن تدبّره.
وشيء آخر، وهو: أنّه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت لذلك الحدود، وانهملت به الأحكام، ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عزّ إسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه.
فلو أماته الله تعالى وأعدم ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد، ولا رفع ما يرفع الصلاح.

المصدر: المفيد، المسائل العشر في الغيبة، ص105.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0448 Seconds