نكتفي هنا بذكر بعض أقوال العلماء المتقدِّمين حول السفراء الأربعة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
فقد ذكر المفيد والطوسي (رحمهما الله) بأنَّ جماعة من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (عليه السلام) شاهدوا خلفه في حياته، وكانوا أصحابه وخاصَّته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته دهراً طويلاً في استتاره، ينقلون إليه معالم دينهم، ويُخرجون إليهم أجوبة مسائلهم، ويقبضون منهم حقوقه لدينهم، وهم جماعة كان الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) عدَّلهم في حياته، واختصَّهم أُمناء لهم في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه، معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم، كأبي عمرو عثمان بن سعيد، وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وبني نوبخت ببغداد، ومنهم الحسين بن روح النوبختي، والسمري، وبني مهزيار في الأهواز، وجماعة من أهل قزوين وقم وغيرهما من الجبال، وبني الركولي بالكوفة، مشهورون بذلك عند الإماميَّة والزيديَّة، معروفون بالإشارة إليه عند كثير من العامَّة، وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة، وكان السلطان يُعظِّم أقدارهم بجلالة محلِّهم في الدنيا، ويُكرمهم لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتَّى إنَّه كان يدفع ما يضيفوه إليهم خصومهم من أمر آمرهم ظنًّا بهم، واعتقاد البطلان من قذفهم، وذلك لما كان من شدَّة تحرُّزهم وستر حالهم، واعتقادهم، وجودة آرائهم، وصواب معتقدهم(1).
أمَّا الصدوق (رحمه الله) فقد وصفهم قائلاً: إنَّ الإمام العسكري (عليه السلام) كان قد خلَّف جماعة من ثقاته ممَّن يُؤدِّي عنه الحلال والحرام، ويُؤدِّي إليه كُتُب الشيعة وأموالهم، ويُخرجون الجوابات، وكانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديله إيَّاه في حياته، وكانت كُتُب ابنه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بعده تخرج إلى الشيعة بالأمر والنهي على أيدي رجال أبيه الثقات أكثر من عشرين عاماً، ثمّ انقطعت الكتابة ومضى أكثر رجال الحسن العسكري (عليه السلام) الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام (عجَّل الله فرجه) بعده، وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته وثقته، فأمر الناس بالكتمان وأنْ لا يذيعوا شيئاً من أمر الإمام (عجَّل الله فرجه)، وانقطعت المكاتبة(2).
وقال الطبرسي (رحمه الله) مادحاً لهم بقوله: ولم يقم من السفراء أحد منهم إلَّا بنصٍّ عليه من قِبَل صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)، ونصب صاحبه الذي تقدَّم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلَّا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كلِّ واحدٍ منهم من قِبَل صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) تدلُّ على صدق مقالتهم وصحَّة بابيَّتهم(3).
وذكرهم النعماني (رحمه الله) أيضاً قائلاً: إنَّ الغيبة الأُولى هي الغيبة التي كان السفراء فيها بين الإمام (عليه السلام) وبين الخلق، قياماً منصوبين، ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج إليهم غوامض العلم، وعويص الحكم والأجوبة عن كلِّ ما كان يُسئَل عنه من المعضلات والمشكلات(4)، والسفير هو العلم(5).
وأثنى عليهم أبو الصلاح الحلبي (رحمه الله) قائلاً: إنَّه معلوم لكلِّ سامع للأخبار تعديل أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) جماعة من أصحابه، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأُمناء على قبض الأخماس والأنفال، وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدُّونه عنه إلى شيعته، وأنَّ هذه الجماعة شهدت بمولد الحجَّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه)، وأخبرت بالنصِّ عليه من أبيه (عليه السلام)، وقطعت بإمامته وكونه الحجَّة المأمول للانتصار من الظالمين، فكان ذلك منهم نائباً مناب نصِّ أبيه (عليه السلام) - لو كان مفقوداً -...، والجماعة المذكورة: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن عليِّ بن بلال، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمَّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان (رضي الله عنهم)(6).
لقد فاق هؤلاء السفراء الأربعة جميع أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام) - كما يظهر من كلمات العلماء - مرتبةً وفضلاً، وفازوا بالنيابة عن الإمام (عجَّل الله فرجه) وسفارته، وكانوا الواسطة بينه وبين الرعيَّة خلال سبعين عاماً، وجرى على أيديهم كرامات كثيرة وخوارق لا تُحصى، وغير خفي أنَّهم في مماتهم أيضاً وسائط(7)، فمن اللازم أنْ يبلغوا الإمام (عجَّل الله فرجه) ما يُكتَب في الحاجات والشدائد من الرقاع عن طريقهم وبوسيلتهم، فإنَّ عظيم فضلهم ومنزلتهم ممَّا لا يحدُّه البيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفصول العشرة (ص ٧٨ - ٨٢)، الغيبة للطوسي (ص ١٠٨ و١٠٩).
(2) كمال الدِّين (ص ٩٢ و٩٣).
(3) الاحتجاج (ج ٢/ ص ٢٩٦ و٢٩٧).
(4) الغيبة للنعماني (ص ١٧٨ و١٧٩).
(5) الغيبة للنعماني (ص ١٦٤).
(6) تقريب المعارف (ص ٤٢٧ و٤٢٨).
(7) روى الطوسي وابن طاووس (رحمهما الله) زيارة للسفراء مرويَّة عن الشيخ النوبختي. راجع: تهذيب الأحكام (ج ٦/ ص ١١٨)، مصباح الزائر (ص ٥١٤).
وذكر الكفعمي (رحمه الله) كيفيَّة كتابة الرقاع لهم عند اشتداد الأهوال والأحوال. راجع: البلد الأمين (ص ١٥٧ و١٥٨).
وكذا كيفيَّة الاستغاثة بهم. راجع: أنيس العابدين (ص ٤٠)، نقلاً عن كتاب السعادات.
إنَّ من وظيفة الوافدين لزيارة العتبات المقدَّسة في العراق أثناء إقامتهم في مدينة الكاظمين هو التوجُّه إلى بغداد لزيارة هؤلاء النوَّاب الأربعة وزيارة قبورهم، لا يُطلَب من الزائر بذل كثير من الجهد، فهي مجتمعة في بغداد غير بعيدة عن الوافدين، وهي لو كانت منتشرة في أقاصي البلاد لكان يحقُّ أنْ تُشَدَّ إليها الرحال ويُطوى في سبيلها المسافات الشاسعة ويُتحمَّل متاعب السفر وشدائده لنيل ما في زيارة كلٍّ منهم من الأجر.
المصدر : سفراء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بين الحقائق والأوهام ـ تأليف: ضياء الدِّين الخزرجي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة