لماذا تعمّدت الروايات إغفال التوضيح في مسألة علامات الظهور ؟

, منذ 11 شهر 432 مشاهدة

هناك أمر اختصَّت به بعض الروايات الواردة في علامات الظهور وعصره، وهو أنَّها في حكايتها عن الحوادث والأفراد تعمَّدت الحكاية بشكل مرموز، ولم تُحدِّد التفاصيل في الأفراد والجيوش بما يرفع اللبس علىٰ الناس، ولذلك أمثلة كثيرة كلفظ: الشيصباني، والسفياني، والخراساني، واليماني، والكبش، والخروف، ورايات الترك متفرّقات، ويأجوج ومأجوج وأوصافهم الكنائية ككبر آذانهم حتَّىٰ أنَّهم يفترشونها أو يتَّخذونها دثاراً، ممَّا يجعل الباحث في حيرة من أمره من جهة التشخيص للمقصود في الواقع الخارجي، وإن تصدّىٰ للتشخيص احتمل وقوعه في الخطأ بشكل كبير.

ولذا ترىٰ أنَّ أكثر المتصدّين للتشخيص يحاولون تطبيق ما ورد من مبهمات في هذه الروايات علىٰ حوادث وأفراد، مع احتمال أنَّ مصاديق ما ذكرته الروايات لم تتحقَّق بعد في الخارج.

وقد جاء في كلام المجلسي (رحمه الله) في بيان بعض مفردات الرواية الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض العلامات والحوادث التي قبل ظهور الإمام عليه السلام، ومنها قوله عليه السلام:

(إذا قام القائم بخراسان، وغلب علىٰ أرض كوفان والملتان، وجاز جزيرة بني كاوان، وقام منّا قائم بجيلان، وأجابته الآبر والديلمان...).

إلىٰ أن يقول (عليه السلام):

(إذا جُهِّزت الأُلوف، وصُفَّت الصفوف، وقُتِلَ الكبش الخروف، هناك يقوم الآخر، ويثور الثائر، ويهلك الكافر، ثمّ يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول...)(1).

قال المجلسي (رحمه الله) في بيان ذلك:

(القائم بخراسان هولاكوخان أو جنكيزخان...، والقائم بجيلان السلطان إسماعيل نوَّر الله مضجعه، والآبر قرية قرب الاستراباد، والخروف كصبور الذكر من أولاد الضأن، ولعلَّ المراد بالكبش السلطان عبّاس الأوّل طيَّب الله رمسه حيث قُتِلَ ولده صفي الدين ميرزا رحمه الله. وقيام الآخر بالثأر يحتمل أن يكون إشارة إلىٰ ما فعل السلطان صفي تغمَّده الله برحمته ابن المقتول بأولاد القاتل من قتل وسمل العيون وغير ذلك).

فما وجه دلالة لفظ (الكبش) علىٰ إرادة الشاه عبّاس الصفوي؟ ومن أين عرف أنَّ المراد بالقائم بجيلان هو الشاه إسماعيل؟ وهو وإن ذكره بعد قوله: (لعلَّ) لكنَّه لا منشأ لهذا الاحتمال حتَّىٰ يُميَّز ويُذكَر دون غيره.

وقد يدعو حبّ الإنسان أو تعصّبه إلىٰ الوقوع في الخطأ كما اشتبه علىٰ البعض تشخيص (طالقان) التي يخرج منها رجال كزبر الحديد في الروايات، فاعتمد علىٰ وجود مدينة حديثة لم تكن في زمن الأئمّة (عليهم السلام) تقع في إيران وقال: هي المقصودة. مع أنَّ كتب اللغة تقول: هي في أفغانستان(2)، وقد أوقع حبّ الجمهورية الإسلاميّة وتمنية النفس بأنَّها هي الدولة التي تُسلِّم الراية إلىٰ الإمام عليه السلام إلىٰ هذا الخطأ وإن كان من المحتمل بقاء هذه الدولة إلىٰ زمن الظهور لكنَّه مجرَّد احتمال لا توجد دلالة يمكن الاعتماد عليها في البناء عليه. وأمَّا التعصّب الأعمىٰ فإنَّه قد يُؤدّي إلىٰ فهم مقلوب للأشياء كقول القائل: إنَّ اليماني يخرج من إيران لأنَّها علىٰ يمين الحجاز، ولا أدري كيف صارت يمين الحجاز؟ كما لا أدري لِمَ لم يُنسب بقولهم (عليهم السلام) اليميني لا اليماني؟

وما أكثر التشخيصات المبنيّة علىٰ الظنّ الشخصي المنبثق من أسباب غير موضوعية، والذي إن لم يثبت بطلانه لم يخرج عن كونه ظنّاً ورجماً بالغيب، وهو لا يغني من الحقّ شيئاً.

وربَّما اقتضت المصلحة أن يتكلَّم الأئمّة علىٰ نحو المجازية لمصلحة في ترك بيان الحقيقة مفصَّلاً، ومن هذا القبيل ما ورد في عيسىٰ (عليه السلام)، ففي الصحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

(إِنَّ اللَّه تَعَالَىٰ أَوْحَىٰ إِلَىٰ عِمْرَانَ: أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً مُبَارَكاً يُبْرِئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ ويُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ، وجَاعِلُهُ رَسُولاً إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَحَدَّثَ عِمْرَانُ امْرَأَتَه حَنَّةَ بِذَلِكَ وهِيَ أُمُّ مَرْيَمَ، فَلَمَّا حَمَلَتْ كَانَ حَمْلُهَا بِهَا عِنْدَ نَفْسِهَا غُلَامٌ: (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) [آل عمران: ٣٦]، أَيْ لَا تَكُونُ الْبِنْتُ رَسُولاً، يَقُولُ اللَّه عز وجل: (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ)، فَلَمَّا وَهَبَ اللهُ تَعَالَىٰ لِمَرْيَمَ عِيسَىٰ كَانَ هُوَ الَّذِي بَشر بِه عِمْرَانَ ووَعَدَه إِيَّاه، فَإِذَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ مِنَّا شَيْئاً وكَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَلَا تُنْكِرُوا ذَلِكَ)(3).

قال صاحب البحار (رحمه الله) في بيان هذا الحديث:

(حاصل هذا الحديث وأضرابه أنَّه قد يحمل المصالح العظيمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام علىٰ أن يتكلَّموا في بعض الأُمور علىٰ وجه المجاز والتورية وبالأُمور البدائية علىٰ ما سُطِرَ في كتاب المحو والإثبات، ثمّ يظهر للناس خلاف ما فهموه من الكلام الأوّل، فيجب عليهم أن لا يحملوه علىٰ الكذب ويعلموا أنَّ المراد منه غير ما فهموه كمعنىٰ مجازي، أو كان وقوعه مشروطاً بشرط لم يتحقَّق. ومن جملة ذلك زمان قيام القائم عليه السلام وتعيينه من بينهم عليهم السلام لئلَّا ييأس الشيعة ويسلوا أنفسهم من ظلم الظالمين بتوقّع قرب الفرج، فربَّما قالوا: فلان القائم، ومرادهم القائم بأمر الإمامة، كما قالوا: (كلّنا قائمون بأمر الله)...) إلىٰ آخر كلامه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار ٥٢: ٢٣٥ و٢٣٦/ ح ١٠٤، عن الغيبة للنعماني: ٢٨٣ و٢٨٤/ باب ١٤/ ح ٥٥.

(2) أُنظر: معجم البلدان ٤: ٧، وفيه: (طالقان بلدتان أحدهما بخراسان بين مرو الروذ وبلخ...، والأُخرىٰ بلدة وكورة بين قزوين وأبهر).

(3) بحار الأنوار ٥٢: ١١٩ و١٢٠/ ح ٤٩، عن الكافي ١: ٥٣٥/ باب في أنَّه إذا قيل في الرجل شـيء فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فإنَّه هو الذي قيل فيه/ ح ١.

المصدر : علامات الظهور (قراءة في المعرفة والتطبيق) ـ تأليف: الشيخ كاظم القره غولّي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0646 Seconds