شخصيات عديدة تتقمص شخصية الإمام المهدي قبل الظهور

, منذ 1 سنة 426 مشاهدة

الشيخ محمد السند

إنّ هناك سلسلة ومجموعات سوف تنتحل وتتقمّص اسم المهدويّة والأسماء المشاركة في حدث الظهور، وظاهر الروايات أنّ الانتحال تارة بنحو الاسم العلمي، واُخرى الاسم النعتي والوصفي، منها:

ما رواه الصدوق في إكمال الدين بسند معتبر عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: "إيّاكم والتنويه، أما والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، وليمحّص حتّى يقال مات أو هلك، بأيّ وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيدّه بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدري أيّ من أيّ"، قال: فبكيت، فقال لي: "ما يبكيك يا أبا عبد الله؟"(1)، فقلت: وكيف لا أبكي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشر راية مشتبهة لا يدري أيّ من أي، فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصُّفّة، فقال: "يا أبا عبد الله، ترى هذه الشمس؟"، قلت: نعم، قال: "والله! لأمرنا أبين من هذه الشمس".(2)

ورواه الطوسي في الغيبة بسنده أيضاً،(3) والنعماني بطريقين آخرين(4)، ومفاد الرواية ظاهر بيّن في نشوء حركات ترفع شعار الإصلاح، وتتقمّص مشروع المهدويّة اسماً أو وصفاً، ومن ثمّ يشتبه الحال والأمر فيها، إلاّ أنّه (عليه السلام) حدّد ضابطة في استعلام نهضتهم عليهم السلام، وهو ظهور المهدي عجل الله فرجه هو وضوحها وعدم حصول الالتباس فيها، وذلك لتقاربها مع العلامات الإلهيّة والآيات، كالصيحة السماويّة، والخسف بالبيداء لجيش السفياني بعدما يستولي السفياني على الشام، كما أنّ الرواية تنذر بوقوع الامتحان والتمحيص في أتباع أهل البيت عليهم السلام في عصر الغيبة، وأنّه لن يبقى على ولايتهم عليهم السلام إلاّ من كتب الله تعالى له الاستقامة.

ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة في المعتبر عن أبي خديجة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): "لا يخرج القائم حتّى يخرج اثنا عشر من بني هاشم، كلّهم يدعو إلى نفسه".(5)

ورواه المفيد في الإرشاد أيضاً.(6)

ولا غرابة في نهوض حركات يقودها إصلاحيون منتسبون إلى بني هاشم، إلاّ أنّ واقع مسيرتهم هي للقبضة والسيطرة على الحكم، كما حصل من قبل من بني العبّاس، فإنّهم منتسبون إلى بني هاشم، وكان شعارهم هو الرضا من آل محمّد عليهم السلام، أي مقاومة الظلم الجاري على أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، إلاّ أنّهم لمّا سيطروا على الحكم أصبحت حاكميّتهم ونظام حكمهم هو المحور والمدار والهدف الأقصى، ولا يتقدّم على أهمّيته أيّ شيء آخر. ومن المفارقات العجيبة أن يشاهد أنّ المنصور الدوانيقي العبّاسي ـ المعروف بالفتك والبطش بالعلويّين وبأهل البيت عليهم السلام لخوفه من نفوذهم الذي يضعف حكومته ونظامه السياسي ـ ينادي بشعار نصرة المهدي من أهل البيت عليهم السلام، ويقوم بنشر علائم ظهوره، فقد روى الطوسي في الغيبة، والمفيد في الإرشاد، والكليني في الكافي بطرقهم عن إسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخنا يذكره عن سيف بن عميرة، قال: كنت عند أبي جعفر المنصور، فسمعته يقول ابتداءً من نفسه: "يا سيف بن عميرة، لا بدّ من منادٍ ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب من السماء"، فقلت: يرويه أحد من النّاس؟

قال: "والذي نفسي بيده، لسمع اُذني منه يقول: لا بدّ من منادٍ ينادي باسم رجل من السماء"، قلت: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الحديث ما سمعت بمثله قطّ، فقال: "يا سيف، إذا كان ذلك فنحن أوّل من يجيبه، أما إنّه أحد بني عمّنا"، قلت: أي بني عمّكم؟ قال: "رجل من ولد فاطمة عليها السلام"، ثمّ قال: "يا سيف، لولا أنّي سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ يحدّثني به ثمّ حدّثني به أهل الدنيا ما قبلت منهم، ولكنّه محمّد بن عليّ".(7)

فترى المنصور العبّاسي مع استبداده في حكمه السياسي يتقمّص شعار أنصار الظهور.

وروى الكليني بسند معتبر عن الحسين بن أبي العلاء، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: "إنّ عندي الجفر الأبيض"، قال: قلت: فأيّ شيء فيه؟ قال: "زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم (عليه السلام)، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج النّاس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد حتّى فيه الجلدة ونصف الجلدة وربع الجلدة، وأرش الخدش، وعندي الجفر الأحمر"، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: "السلاح؛ وذلك إنّما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل"، فقال له عبد الله بن أبي يعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: "إي والله! كما يعرفون الليل إنّه ليل، والنهار إنّه نهار، ولكنّهم يحملهم الحسد، وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ولو طلبوا الحقّ بالحقّ لكان خيراً لهم".(8)

والظاهر أنّ المراد من قول السائل: "أيعرف هذا بنو الحسن"، الإشارة إلى أنّ المهدي عجل الله فرجه هو صاحب النهضة المسلّحة العسكريّة للإصلاح، وأنّهم إذا كانوا يعرفون، فلماذا يتقمّصون ويرفعون شعار المهدويّة كما ادّعى ذلك بعضهم في ثورته المسلّحة التي قام بها ضدّ حكومة العبّاسيّين، وادّعى بعضهم أنّه ذو النفس الزكيّة أيضاً، وهو ممّا يرتبط بالظهور للمصلح الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، مع أنّ بني الحسن أقرب رحماً في بني هاشم لأهل البيت عليهم السلام من بني العبّاس، وقال (عليه السلام): ولكنّهم مع معرفتهم بذلك طلبوا الحقّ، وهو مقاومة ظلم بني العبّاس، وطلبوا الإصلاح بغير الحقّ، أي بطريق خاطئ بغير الاُسلوب الذي رسمه أهل البيت عليهم السلام لهم، بل أخذوا يتقمّصون دور المهدي عجل الله فرجه.

ونظير الرواية المتقدّمة التي رواها الطوسي في الغيبة والمفيد في الإرشاد ما رواه المفيد في الإرشاد أيضاً في موضع آخر في علائم الظهور: "وخروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثنا عشر من آل أبي طالب، كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه".(9)

وروى النعماني في الغيبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "لا يقوم القائم (عليه السلام) حتّى يقوم اثنا عشر رجلاً كلّهم يجمع على قول إنّهم قد رأوه، فيكذِّبهم"(10)، أي يكذّبهم القائم عجل الله فرجه بعد قيامه، والتعبير بـ "يقوم اثنا عشر رجلاً"، أي ينهضون بحركات إصلاحيّة متقمّصة لدعوة التنسيق والارتباط مع المهدي عجل الله فرجه. نعم في البحار(11) روى المجلسي الرواية عن النعماني بلفظ "فيكذِّبوهم"، أي فيكذّب النّاس دعوى هؤلاء الرجال الاثنى عشر الذين يقومون بحركات أنّهم مرتبطون في برنامج حركتهم بنهوض المهدي (عليه السلام) الإصلاحي للعالم البشري.

وفي رواية النعماني معتبرة عن أبي خالد الكابلي، قال ـ في حديث سؤاله عن أوصاف المهدي عجل الله فرجه ـ قال له محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام): "فتريد ماذا يا أبا خالد؟" قلت: أُريد أن تسمّيه لي حتى أعرفه بإسمه؟ فقال: "سألتني يا أبا خالد سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدّثاً به أحداً، ولو كنت محدّثاً به أحداً لحدّثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة".(12)

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وهي كنية للمفضّل بن عمر الجعفي أيضاً.

(2) كمال الدين/ الصدوق: 347/ باب 33/ ح 35، بحار الأنوار: 52/281 و282.

(3) الغيبة/ الطوسي: 338/ 285.

(4) الغيبة/ النعماني: 152/ باب 10/ ح 10.

(5) الغيبة/ الطوسي: 437/ 428، بحار الأنوار: 52/209.

(6) الإرشاد/ المفيد: 2/ 372.

(7) الغيبة/ الطوسي: 433/ 423، الإرشاد/ المفيد: 2/ 370، الكافي/ الكليني: 8/ 255، بحار الأنوار: 52/288 و300.

(8) الكافي: 1/240/ ح 3.

(9) الإرشاد/ المفيد: 2/ 368، بحار الأنوار: 52/220.

(10) الغيبة/ النعماني: 277/ باب 14/ ح 58.

(11) بحار الأنوار: 52/244.

(12) الغيبة/ النعماني: 289/ باب 16/ ح 2.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0966 Seconds