روى العلامة المجلسي في بحاره ما دار بين الإمام الصادق (عليه السلام) حوار طويل وبين المفضل احد أبرز تلامذته حول الإمام المهدي وما يجر بعد ظهوره المبارك إذ سأل المفضل الإمام (عليه السلام): قال سألت سيدي الصادق (ع) هل للمأمور المنتظر المهدي (ع) من وقت موقت يعلمه الناس؟
فقال : حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا......
يا مفضل لا أوقت له وقتا ولا يوقت له وقت إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه وادعى أنه ظهر على سره وما لله من سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس الضال عن الله الراغب عن أولياء الله وما لله من خبر إلا وهم أخص به لسره وهو عندهم وإنما ألقى الله إليهم ليكون حجة عليهم.
قال المفضل يا مولاي فكيف بدء ظهور المهدي ع وإليه التسليم ؟
قال (ع) يا مفضل يظهر في شبهة ليستبين فيعلو ذكره ويظهر أمره وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به على أنه قد قصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه وقلنا سمي جده رسول الله (صلى الله عليه واله) وكنيه لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسماً ولا كنيةً ولا نسباً.
والله ليتحقق الإيضاح به وباسمه ونسبه وكنيته على ألسنتهم حتى ليسميه بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم ثم يظهره الله كما وعد به جده (ص) في قوله عز وجل {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
قال المفضل : يا مولاي فما تأويل قوله تعالى {ليظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}؟
قال (ع) : هو قوله تعالى : {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
فو الله يا مفضل ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف ويكون الدين كله واحداً كما قال جل ذكره إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وقال الله {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}....
قال المفضل : يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي ؟
قال (ع) : لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل عين فمن قال لكم غير هذا فكذبوه.
قال المفضل: يا سيدي ولا يرى وقت ولادته ؟
قال بلى والله ليرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر أول ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلى يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول من سنة ستين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة التي بشاطئ دجلة يبنيها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر الضال الملقب بالمتوكل وهو المتأكل لعنه الله تعالى وهي مدينة تدعى بسرمن رأى وهي ساء من رأى يرى شخصه المؤمن المحق سنة ستين ومائتين ولا يراه المشكك المرتاب وينفذ فيها أمره ونهيه ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر بجانب المدينة في حرم جده رسول الله (ص).
فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه، ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست وستين ومائتين فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد وكل عين.
قال المفضل : قلت يا سيدي فمن يخاطبه ولمن يخاطب؟
قال الصادق (ع) : تخاطبه الملائكة والمؤمنون من الجن ويخرج أمره ونهيه إلى ثقاته وولاته ووكلائه ويقعد ببابه محمد بن نصير النميري في يوم غيبته بصابر ثم يظهر بمكة.
وو الله يا مفضل كأني أنظر إليه دخل مكة وعليه بردة رسول الله (ص) وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجليه نعلا رسول الله ص المخصوفة وفي يده هراوته، يسوق بين يديه عنازاً عجافاً، حتى يصل بها نحو البيت، ليس ثم أحد يعرفه ويظهر وهو شاب.
قال المفضل يا سيدي يعود شاباً أو يظهر في شيبة ؟
فقال (ع) سبحان الله وهل يعرف ذلك ؟ يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء إذا جاءه الأمر من الله تعالى مجده وجل ذكره. قال المفضل : يا سيدي فمن أين يظهر وكيف يظهر
يا مفضل يظهر وحده ويأتي البيت وحده ويلج الكعبة وحده ويجن عليه الليل وحده فإذا نامت العيون وغسق الليل نزل إليه جبرئيل وميكائيل (ع) والملائكة صفوفاً فيقول له جبرئيل يا سيدي قولك مقبول وأمرك جائز فيمسح (ع) يده على وجهه ويقول : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).
ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين.
فترد صيحته (ع) عليهم وهم على محاريبهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل، فيجيئون نحوها ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه (ع) بين الركن والمقام.
فيأمر الله عز وجل النور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض ويدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت (ع).
ثم يصبحون وقوفاً بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعده أصحاب رسول الله (ص) يوم بدر.
قال المفضل يا مولاي يا سيدي فاثنان وسبعون رجلاً الذين قتلوا مع الحسين بن علي (ع) يظهرون معهم ؟
قال (ع) : يظهر منهم أبو عبد الله الحسين بن علي (ع) في اثني عشر ألفاً مؤمنين من شيعة علي (ع) وعليه عمامة سوداء.
قال المفضل : يا سيدي فبغير سنة القائم (ع) بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه ؟
فقال (ع) يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم (ع) فبيعته كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايع لها والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم ع ظهره إلى الحرم ويمد يده فترى بيضاء من غير سوء ويقول هذه يد الله وعن الله وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية : {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ} الآية.
فيكون أول من يقبل يده جبرئيل (ع) ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونجباء الجن ثم النقباء، ويصبح الناس بمكة فيقولون : من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة ؟ وما هذا الخلق الذين معه ؟ وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم ترَ مثلها ؟
فيقول بعضهم لبعض : هذا الرجل هو صاحب العنيزات فيقول بعضهم لبعض، انظروا هل تعرفون أحداً ممن معه فيقولون : لا نعرف أحداً منهم إلا أربعة من أهل مكة وأربعة من أهل المدينة وهم فلان وفلان ويعدونهم بأسمائهم ويكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم.
فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السماوات والأرضين :
"يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد ويسميه باسم جده رسول الله (ص) ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحسن الحادي عشر إلى الحسين بن علي (ص) بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا.
فأول من يقبل يده الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا وأطعنا ولا يبقى ذو أذن من الخلائق إلا سمع ذلك النداء وتقبل الخلائق من البدو والحضر والبر والبحر يحدث بعضهم بعضاً ويستفهم بعضهم بعضاً ما سمعوا بآذانهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : بحار الأنوار ج : 53 ص : 1 ـ 8
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة