من الطبيعي أن يكون لحدث مهم بل في غاية الأهمية وهو ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) إرهاصات وعلامات واضحة الدلالة عليه، تجنباً للشبهة والتباس الحق على الناس، وقد تضمنت الروايات الكثير من العلامات المفترضة، إلّا أن أسناد أكثرها غير معتبرة، وسوف نتعرض إلى كلا الصنفين – ما دل عليه دليل معتبر، وبعض ما لم يدل عليه دليل معتبر -.
أمّا الصنف الأول:
فهي أربع علامات:
العلامة الأولى: الصيحة في السماء:
وقد ذكرت الروايات لها مضمونين:
الأول: أن هناك صيحتين: تتضمن أولاهما: أن الحق مع علي (عليه السلام) وشيعته، والثانية: أن الحق مع مخالفيه.
والثاني: التصريح باسم المهدي (عجّل الله فرجه) في الصيحة.
أمّا المضمون الأول فهو معروف والذي هو أحد العلامات الثابتة، وإليه ينصرف عناوين (النداء) و(الصوت) و(الصيحة) الواردة في بعض الروايات، وقد تضمّنته كثير من الروايات، منها:
أ - موثقة زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ينادي منادٍ من السماء: أن فلاناً هو الأمير، وينادي منادٍ: أنّ عليّاً وشيعته هم الفائزون». قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: «إنّ الشيطان ينادي: إن فلاناً وشيعته هم الفائزون - لرجل من بني أمية -» قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال: «يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: (إنه يكون) قبل أن يكون ويعلمون أنهم المحقّون الصادقون»(1).
ب - موثقة عبد الله بن سنان قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيّرونا، ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن منادياً ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر! وكان متكئاً، فغضب وجلس. ثم قال: «لا تروه عنّي، وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي (عليه السلام) يقول: والله إن ذلك في كتاب الله (عزَّ وجلَّ) لبيّن حيث يقول: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، فلا يبقى في الأرض يومئذٍ أحد إلّا خضع وذلّت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: ألا إنّ الحقّ في علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشيعته». قال: «فإذا كان من الغد صعد إبليس...» قال: «فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق، وهو النداء الأول، ويرتاب يومئذٍ الذين في قلوبهم مرض –والله - عداوتنا...»(2).
ونظيرها رواية عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، وقد سأله عمارة الهمداني(3).
وقد تضمّنت هذا المضمون روايات أخرى والتي يبدو منها أنها قضية معروفة ومشهورة منذ عصر الإمام الصادق (عليه السلام) ففي موثقة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الجريري أخا إسحاق يقول لنا: إنكم تقولون: (نداءان) فأيهما الصادق من الكاذب؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «قولوا له: إن الذي أخبرنا بذلك - وأنت تُنكر أنّ هذا يكون - هو الصادق»(4)، ونحوها غيرها(5).
وقد بلغ من شهرة الرواية المذكورة عن الإمام الباقر (عليه السلام) أن نُعيم بن حماد روى عن سعيد أبي عثمان - الثقة عندهم - عن جابر الجعفي عنه (عليه السلام) قال: «ينادي منادٍ من السماء: ألا إن الحق في آل محمد، وينادي منادٍ من الأرض: ألا إن الحق في آل عيسى - أو قال - العباس - أنا أشك فيه - وإنما الصوت الأسفل من الشيطان، ليلبِسَ على الناس». شك أبو عبد الله نُعيم(6).
هذا كلّه بالنسبة للمضمون الأول للصيحة في السماء.
وأمّا المضمون الثاني: - وهو التصريح باسم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في السماء - فقد تضمّنته عدّة روايات، منها - إضافةً لبعض ما تقدّم آنفاً -:
أ - صحيحة محمد بن مسلم قال: «ينادي منادٍ من السماء باسم القائم، فيسمع ما بين المشرق إلى المغرب، فلا يبقى راقد إلّا قام، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين»(7).
ب - صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «يشمل الناس موت وقتل حتى يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم، فينادي منادٍ صادق من شدة القتال: فيمَ القتل والقتال؟ صاحبكم فلان»(8).
ج - رواية عبيد الله بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «ينادى باسم القائم فيؤتى، وهو خلف المقام، فيقال له: قد نودي باسمك، فما تنتظر؟ ثم يؤخَذ بيده فيُبايَع».
قال: قال لي زرارة: (الحمد لله، قد كنّا نسمع أن القائم (عجّل الله فرجه) يُبايع مستكرَهاً، فلم نكن نعلم وجه استكراهه. فعلمنا أنه استكراه لا إثم فيه)(9).
د - صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ينادي منادٍ باسم القائم (عجّل الله فرجه)». قلت: خاص أو عام؟ قال: «عام، يسمع كلّ قوم بلسانهم». قلت: فمن يخالف القائم (عجّل الله فرجه)، وقد نودي باسمه؟! قال: «لا يدَعُهم إبليس حتى ينادي [في آخر الليل] ويشكك الناس»(10).
هـ - وقد رويت عدّة روايات في مصادر الجمهور تتضمن ذلك أيضاً، منها:
ما رواه نُعَيم بن حمّاد بسنده عن أرطاة: قال: (إذا كان الناس بمنى وعرفات نادى منادٍ - بعد أن تحاربَ القبائل - (ألا إن أميركم فلان) ويتبعه صوت: (ألا إنه قد كذب) ويتبعه صوت آخر (ألا إنه قد صدق...)(11). ونحوها غيرها.
و(منها) موثقتا زرارة وعبد الله بن سنان المتقدمتان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغَيبة للنعماني: ٢٧٢-٢٧٣.
(2) الغَيبة للنعماني: ٢٦٨.
(3) انظر: المصدر: ٢٦٩.
(4) الغَيبة للنعماني: ٢٧٣.
(5) انظر المصدر: ٢٧٣ و٢٧٥.
(6) الفتن لـ(نعيم بن حماد): ٢٦٤.
(7) الغَيبة للنعماني: ٢٧٤.
(8) المصدر: ٢٧٥.
(9) المصدر: ٢٧١- ٢٧٢.
(10) كمال الدين: ٢/٦٥٠-٦٥١.
(11) الفتن لـ(نعيم بن حماد): ٢٦٧.
المصدر : الثقافة المهدوية (دروس منهجية) ـ تأليف: السيد رياض الحكيم.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة