ذو النفس الزكيّة وشعيب بن صالح ... شخصيتان مرتبطتان بالإمام المهدي (عج) .. تعرف عليهما

, منذ 3 شهر 802 مشاهدة

ورد التعبير به عن شخصيتين: إحداهما - وهي الأقلُّ وروداً في الروايات -: على شخصية يقتل بظهر الكوفة، وثانيها: الذي يُقتل بين الركن والمقام، بل في بعض روايات الأدعية الواردة عنهم إطلاق النفس الزكية على المهدي (عليه السلام)(1).

وقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد في علامات الظهور ممَّا قد جاءت به الآثار: (وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام)(2).

فذُكرَ كلٌّ منهما، ولكن الثاني أكثر وروداً في الروايات، وفي جملة منها أنَّ قتله بين الركن والمقام من العلامات الحتمية، وأنَّ اسمه محمّد بن الحسن، وأنَّه من ذرّية الحسين (عليه السلام)، وأنَّه من خواصّ أصحاب المهدي (عليه السلام)، لكن خروجه في مكّة مرتبط بفاصل أيّام، وبينه وبين ظهور الحجّة (عليه السلام) للبيعة عند الركن خمسة عشرة ليلة، ففي صحيح عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكيّة، واليماني»، فقلت: جُعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: «لا»، فلمَّا كان من الغد تلوت هذه الآية: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، فقلت له: أهي الصيحة؟ فقال: «أمَا لو كانت خضعت أعناق أعداء الله (عزَّ وجلَّ)»(3)، فيظهر منه أنَّ الصيحة وقتل النفس الزكية، والمراد به الذي يقتل في الكعبة بين الركن والمقام، من العلامات الحتمية للظهور، كما أنَّ في الصيحة تحذيراً أكيداً، وتنبيهاً بالغاً على عدم الانخداع وراء أدعياء أسماء الظهور قبل تحقّق العلامات الحتمية من الصيحة والسفياني والخسف لجيشه في صحراء المدينة المنوَّرة، وإنَّ من أهمّ علامات الظهور الصيحة والنداء من السماء.

وروى النعماني بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جُعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال: «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كذب الوقّاتون، يا أبا محمّد، إنَّ قدّام هذا الأمر خمس علامات، أوّلهنَّ: النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء...» الحديث(4).

وروى الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) يقول: «القائم منّا منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تطوى له الأرض...»، فقلت له: يا بن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: «إذا... وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت الصيحة من السماء بأنَّ الحقّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا...» الحديث(5).

وروى الصدوق أيضاً في إكمال الدين، بإسناده عن صالح مولى بني العذراء، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول:

«ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكية إلّا خمسة عشر ليلة»، ورواه الشيخ في الغيبة، والمفيد في الإرشاد(6).

وفي رواية الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده عن عمّار بن ياسر أنَّه قال: (إنَّ دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتَّى تجيء أماراتها...) إلى أن قال: (ثمّ يسير - أي السفياني بعد استيلاءه على الشام - إلى الكوفة، فيقتل أعوان آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويقتل رجلاً من مسمّيهم، ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح، وإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فألحقوا بمكّة، فعند ذلك تقتل النفس الزكية وأخوه بمكّة ضيعة، فينادي منادٍ من السماء: أيّها النّاس، إنَّ أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(7).

ويظهر من هذه الرواية أنَّ النفس الزكية يقتل مع أخيه، وأنَّ شعيب بن صالح من رؤساء وقوّاد جيش المهدي، وعلامته ظهوره في جيشه معه.

وفي رواية العياشي عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث الظهور: «... ثمّ يخرج من مكّة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكّة باسمه وأمره من السماء، حتَّى يسمعه أهل الأرض كلّهم، اسمه اسم نبيّ، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبيّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورايته وسلاحه، والنفس الزكية من ولد الحسين، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره، وإيّاك وشذّاذ من آل محمّد، فإنَّ لآل محمّد وعلي راية، ولغيرهم رايات، فألزم الأرض ولا تتَّبع منهم رجلاً أبداً، حتَّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه، فإنَّ عهد نبيّ الله صار عند علي بن الحسين، ثمّ صار عند محمّد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فألزم هؤلاء أبداً. وإيّاك ومن ذكرت لك، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ومعه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عامداً على المدينة...» الحديث(8).

ومفاد الرواية أنَّ قتل النفس الزكية في المسجد الحرام من العلامات البارزة الجليّة الظهور، كما تؤكّد الرواية - كما مرَّ في غيرها - على الحذر الشديد، واليقظة البالغة من الانجرار والانجراف وراء أدعياء رايات الظهور، وشعارات الإصلاح، وقد جعل العلامات الفاصلة بين الملتبس المشتبه وبين الظهور الحقيقي هو الصيحة السماوية.

وروى السيّد علي بن عبد الحميد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) - في حديث -، قال: «يقول القائم (عليه السلام) لأصحابه: يا قوم، إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّية محمّد، وسلالة النبيّين، وإنّا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا وابتزَّ منّا حقّنا منذ قُبض نبيّنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلَّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا فلا يدعونه حتَّى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً...»(9).

ويظهر من هذه الرواية أنَّ ذا النفس الزكية (محمّد بن الحسن) الحسيني له نيابة خاصّة من الحجّة (عليه السلام) لإبلاغ رسالته إلى أهل مكّة، ولكن ذلك بعد الصيحة السماوية، أي في الظهور الأوّل الأصغر الذي يبتدأ بعد الصيحة السماوية في رجب، أو في شهر رمضان بحسب تعدّد لسان الروايات، وأمّا الظهور الأكبر فهو يبتدأ عندما يسند ظهره الشريف إلى الركن من الكعبة لأخذ البيعة في ابتداء دولته العالمية.

وروى الطوسي في الغيبة عن حذلم بن بشير، قال: قلت لعلي بن الحسين (عليهما السلام): صف لي خروج المهدي، وعرّفني دلائله وعلاماته، فقال: «يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثمّ يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثمّ يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس...»(10).

ويظهر من هذه الرواية أنَّ بدء طلوع اسم شعيب بن صالح هو من مدينة سمرقند، وأمّا عوف السلمي فيحتمل من الرواية أنَّه من غير الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، حيث يكون مأواه تكريت وساحة حركته في المدن غير الموالية.

وروى النعماني في الغيبة معتبرة البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنَّه قال: «قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا؟!»(11).

ويشير (عليه السلام) إلى مَنْ خرج في زمانه وادَّعى أنَّه القائم، وهذه الرواية تعضد مفاد الرواية السابقة من أنَّ شأن شعيب بن صالح الخروج بحركة قبل حركة المهدي (عليه السلام) من مكّة المكرَّمة حيث يكون شعيب أحد قوّاد جيشه حينئذٍ.

وروي في مختصر بصائر الدرجات في حديث الظهور عن الحسين بن حمدان بإسناده عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عند ذكره لخروج الحسني الفتى الصبيح من الديلم، وأنَّه تجيبه كنوز الله بالطالقان، وهي الرجال كزبر الحديد، وفيه: «لكأنّي أنظر إليهم على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، يتعاوون شوقاً إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب، أميرهم رجل من بني تميم يقال له: شعيب بن صالح...» إلى أن قال: «ثمّ يسير - أي الحسني - بتلك الرايات كلّها حتَّى يرد الكوفة، وقد جمع بها أكثر أهلها فيجعلها له معقلاً...» الحديث(12).

وهذه الرواية ترسم أنَّ حركة شعيب بن صالح من سمرقند ونهضته حينما تقبل إلى شمال إيران (الديلم) تلتحم بحركة الحسني ويكون شعيب بن صالح أميراً لجيش الحسني، ولا بدَّ أنَّ شعيب بن صالح لا يبقى طويلاً مع الحسني بعدما تقع الصيحة السماوية ونحوها من العلامات الحتمية، بل يلتحق بمكّة المكرَّمة للالتحاق بجيش المهدي (عليه السلام) جمعاً مع رواية عمّار بن ياسر المتقدّمة.

وعلى أيّ تقدير، فالرواية هذه تفصح عن نسب شعيب بن صالح أنَّه من بني تميم، ولعلَّه من مواليد الديلم حيث يكون بدأ حركته منها، كما هو الحال في الحسني، لعلَّه من مواليد سمرقند بعد كون بدأ حركته من الديلم، وهي شمال إيران، هذا ولعلَّ شعيب بن صالح الذي يكون على لواء جيش المهدي يغاير الذي يخرج من سمرقند، ويكون أميراً لجيش الحسني، كما احتمل ذلك الراوندي في (الخرائج والجرائح)، حيث روى عن ابن بابويه بإسناده عن الحسين (عليه السلام)، قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده أُبي بن كعب، فقال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مرحباً بك يا أبا عبد الله، يا زين السماوات والأرض...»، ثمّ ذكر المهدي من ولده وخروجه: «يخرج وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وشعيب بن صالح على مقدمته...»(13).

وقال قطب الدين الراوندي في ذيل الحديث: (وأمَّا شعيب بن صالح فقد ذكر ابن بابويه في كتاب النبوّة بإسناده عن سهيل بن سعيد...)، ثمّ ذكر رواية أمر هشام بن عبد الملك لحفر بئر في الرصافة، وأنَّه بدت لهم جمجمة رجل عليه ثياب بيض، وفي ثوبه مكتوب: أنا شعيب بن صالح رسول رسول الله شعيب النبيّ (عليه السلام)، إلى قومه، فضربوني وأضرَّوا بي وطرحوني في هذا الجبّ)(14).

وقد روى الراوندي قبل هذه الرواية أيضاً عن عبد الله بن يقطر رضيع الحسين (عليه السلام) شعراً في المهدي (عليه السلام) أربعة أبيات منها:

وقام بنو ليث بنصر ابن أحمد * * * يهزّون أطراف القنا والصفائح

تعرفتهم شعث النواصي يقودها * * * من المنزل الأقصى شعيب بن صالح(15)

وهذه الرواية - لو صحَّت - فلا موجب لحمل اسم شعيب بن صالح الذي على مقدمة جيش الإمام المنتظر (عليه السلام) على إرادته، كما لا موجب لحمل اسمه على الذي يخرج من سمرقند، ويكون أميراً على جيش الحسني عند خروجه، فلعلَّه شعيب بن صالح النبيّ (عليه السلام) المذكور في القرآن، حيث إنَّه يخرج مع المهدي الخضر وإلياس، كما قد تشير إليه بعض الروايات، كما ينـزل عيسى بن مريم ويصلّي خلفه.

وعلى أيّ تقدير، فالروايات الواردة في شعيب بن صالح ليس فيها إشارة إلى صفة تمثيل رسمي له عن الحجّة (عليه السلام) قبل خروج المهدي (عليه السلام). هذا مع أنَّ خروجه هو في نفس سنة الظهور المشتملة على العلامات الحتمية، وأمَّا ذو النفس الزكية فهو وإن كان له تمثيل رسمي عن الحجّة (عليه السلام) إلّا أنَّه بحسب الروايات في خصوص أيّام لا تعدو الخمسة عشر قبل أخذ الإمام المهدي (عليه السلام) البيعة عند الركن في البيت في تلك المهمّة المذكورة في الروايات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع: الدعوات للراوندي: ٥٨/ ح ١٤٦؛ بحار الأنوار ٨٨ : ٣٧٦/ ح ٣٣.

(2) الإرشاد ٢: ٣٦٨.

(3) الكافي ٨ : ٣١٠/ ح ٤٨٣.

(4) الغيبة للنعماني: ٣٠١/ باب ١٦/ ح ٦.

(5) إكمال الدين: ٣٣١/ باب ٣٢/ ح ١٦.

(6) إكمال الدين: ٦٤٩/ باب ٥٧/ ح ٢؛ الغيبة للطوسي: ٤٤٥/ ح ٤٤٠؛ الإرشاد ٢: ٣٧٤.

(7) الغيبة للطوسي: ٤٦٣ و٤٦٤/ ح ٤٧٩.

(8) تفسير العياشي ١: ٦٤ - ٦٦/ ح ١١٦.

(9) بحار الأنوار ٥٢: ٣٠٧/ ح ٨١.

(10) الغيبة للطوسي: ٤٤٣ و٤٤٤/ ح ٤٣٧.

(11) الغيبة للنعماني: ٢٦٢/ باب ١٤/ ح ١٢.

(12) مختصر بصائر الدرجات: ١٧٧ - ١٩٢.

(13) الخرائج والجرائح ٢: ٥٥١/ ح ١١.

(14) انظر: الخرائج والجرائح ٢: ٥٥٢/ ح ١٢.

(15) الخرائج والجرائح ٢: ٥٥٠/ ح ١٠.

المصدر : فقه علائم الظهورـ تأليف : الشيخ محمّد السند.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0562 Seconds