هل المهدي المنتظر مولود أم سيُولَد في المستقبل؟

, منذ 7 شهر 805 مشاهدة

الخلاف الواقع بين الإمامية وبين المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى، فهذه المذاهب تقول: مع تسليمنا بأنَّ الله يبعث المهدي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وبصحَّة الروايات وهذه الأحاديث، لكنَّه ليس موجوداً بالفعل وإنَّما يُوجَد بعد ذلك لأنَّ وجوده بالفعل يُحدِث عدَّة إشكالات:

أوَّلاً: طول العمر فالإنسان عمره الطبيعي لا يتعدَّى معدِّل الأعمار سبعين أو ثمانين سنة على أكثر الفروض فمن يعيش خارج هذا النطاق والمعدِّل أمر غير طبيعي خصوصاً إذا كان خارج المعدل بكمّيَّة كبيرة جدًّا (١٢٠٠ سنة مثلاً)، إضافةً إلى المدَّة التي سوف تُقضى ولا يعلم بها إلَّا الله (عزَّ وجلَّ).

ثانياً: إذا وُجِدَ بالفعل فلماذا يُحجَب عن الأبصار لماذا لا يُعرَف حتَّى يُقصَد ويُستفاد من وجوده؟

ما هي الفائدة من وجوده وعدم القدرة على الوصول إليه؟ لأنَّه إذا كان محجوباً فإنَّا لا نستطيع أنْ نصل إليه وإذا لم نصل إليه فما هي فائدة وجوده؟ لأنَّ المفروض في الإمام هو أنْ يكون على تماسٍّ بالناس ومصدر هدايتهم يلتقون به ويأخذون منه الهداية.

ثالثاً: أنَّ وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) مع هذا المدى الطويل قد يعني أنَّنا إذا تعلَّقت أفكارنا بوجود إمام يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فكأنَّه سوف ننيط هذه المهمَّة به أي هو المسؤول عن تعديل الأوضاع الشاذَّة في الأرض وهذا يعني إلغاء التكاليف وشلُّ حركة الأُمَّة لأنَّ المفروض أنْ تبقى الأُمَّة تنتظر الفرج على يديه ولا تعمل أيَّ شيء ممَّا يعني أنَّ وجود الأُمَّة وعدمها سيَّان تنتظر الإمام ليُغيِّر واقعها ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً ويقضي على الظلم.

ومن الإشكالات التي أُوردت على وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وعدم القدرة على الوصول إليه، هو كيف يصحُّ أنْ يحتجَّ الله (عزَّ وجلَّ) على العباد بإمام لا يُرى؟

الجواب:

الإماميَّة يذهبون إلى وجوده، والدليل هو:

أوَّلاً: قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ الله لا يُخلي الأرض من حجَّة»(١٨٢)، أي لا بدَّ من وجود قائم بالأمر يُمثِّل النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وامتداده لأنَّه إذا خلا خلت الأرض من الحجَّة إذ ليس من المفروض أنْ يكون الحجَّة غير الإمام فإذا افترضناه غير الإمام المعصوم فإنَّنا لا نستطيع أنْ نجعله حجَّةً بيننا وبين الله، إذ يحتمل منه المعصية وفي حال صدور المعصية منه لا نستطيع أنْ نعتبره حجَّة ولذلك لا نعتبر قول الفقيه في ذاته حجَّة بل لأنَّه ينقل لنا النصَّ الشرعي ورأي النبيِّ أو الإمام إنَّه قناة لنقل الحكم لنا.

إذن الحجَّة إنَّما تتمُّ بوجود المعصوم ولا يوجد إنسان يُدَّعى له العصمة إلَّا الإمام، إذن لا يُخلي اللهُ (عزَّ وجلَّ) الأرضَ من حجَّة وعليه يجب أنْ يكون الحجَّة موجوداً وإلَّا ما معنى أنَّه لا يخلو الأرض منه مع أنَّه غير موجود؟

ثانياً: قول النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليَّة».

هذا الحديث يرويه جمهور المسلمين، فإذا لم يكن إمام زماني موجوداً فكيف أعرفه المفروض أنِّي التقي به ويكون حجَّة عليَّ حتَّى أعرفه ولا أموت ميتة جاهليَّة، إذن لا بدَّ أنْ يكون موجوداً بالفعل، لكن يأتي إشكال: إذا كان موجوداً فلماذا لا يُرى؟ وما الفائدة منه إذا كان موجوداً ولا نراه؟ وكيف نصل إليه؟

وجود الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لطف:

هنا نقول: إنَّ هذه المسألة في الواقع لها نظائر يقول العلماء: إنَّ وجود الإمام لطف للمكلَّفين، وكيف يكون لطفاً؟

أضرب لك مثالاً: كلُّ المسلمين يعتقدون بوجود الجنَّة والنار فعلاً أليس القرآن الكريم يقول: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ (مريم: ٦٣)، وهكذا النار ولا يوجد في المسلمين من يقدر أنْ يصل إلى النار أو الجنَّة، فهل معنى هذا أنَّ وجودهما عبث؟ لماذا الله خلقهما إذن؟

الجواب: أنَّ الدار حاليًّا دار تكليف وليست دار عقاب أو ثواب وجزاء فإذا أراد الله أنْ يحشر الخلق بعد ذلك فإمَّا إلى جنَّة وإمَّا إلى نار وفعلاً لا أحد يدخل إلى الجنَّة وإلى النار، فما الفائدة من وجودهما مع إنَّ جمهور المسلمين يقولون: إنَّ النار موجودة بالفعل، وهكذا الجنَّة، ونحن لا نستطيع أنْ نصل إليهما أليس وجودهما عبثاً؟

يجيبون بأنَّ في وجود الجنَّة والنار لطفاً للمكلَّف فالفرد المكلَّف المسلم إذا علم بوجود جنَّة ونار فبطبيعة الحال يكون لذلك تأثير على سلوكه فإنَّه يخشى من هذه ويرجو هذه ويأمل الوصول إليها مباشرةً بعد الموت.

اللطف يعني التقريب للهداية، إذن يوجد فيهما لطف للمكلَّفين، والجواب ذاته يكون بالنسبة لوجود الإمام (عجَّل الله فرجه)، ففيه لطف للمكلَّف وإنْ لم يرَه.

هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية من قال نحن لا نراه؟ إنَّه يُرى لكن لا نعرفه. أليس المسلمون بأجمعهم يروون أنَّ عيسى (عليه السلام) رُفِعَ إلى السماء ولم يمت ويذهبون إلى أنَّ الخضر حيٌّ بإجماع المسلمين ويُرى من قِبَل فئة خاصَّة(١٨٤)، إذن من يقول: إنَّه غير موجود أو لا نراه؟ نراه ولكن لا يُعرَف طرحه الله (عزَّ وجلَّ) بين عباده ويمكن أنْ يُلقي رأيه مع آرائهم أو مع آراء العلماء من دون أنْ يُعرَف، لذلك يذهب جمهور المسلمين تقريباً إلى هذا الرأي، وهو أنَّه موجود لكن نحن لا نعرفه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : محاضرات حول الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ـ تأليف : عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله).

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0540 Seconds