إن الإمام المهدي قد أنيط به دورٌ ما أنيط بأحد من البشر، لا بنبي ولا برسول ولا بأي إمام، أنيط بالإمام دورٌ ما أنيط بأحدٍ من البشر، إقامة الدولة العادلة على الأرض كلها، طيب هذا الإنسان الذي يريد أن يقيم دولة عادلة على الأرض كلها كيف يُقْنِع الناس - بوذيين ومسيحيين ويهود وأصناف وأشكال وتيارات مختلفة - كيف يقنعهم؟ كيف يقيم عليهم الحجة؟ كيف يقنع مليارات من البشر بإمامته؟ كيف يقنع مليارات من البشر بدوره الذي أناطه اللهُ به وهو إقامة الدولة العادلة على الأرض كلها؟ كيف يقنعهم؟ هذا يحتاج إلى حجج قوية وبراهين قاطعة حتى يحكم الناس بالدليل والبرهان وبالإقناع ويخلق منهم أمة عادلة، كيف يقنع البشر كلهم؟
الله أعطى الإمام حجتين تدعمان دوره وتدعمان إمامته:
الحجة الأولى: طول عمره.
والحجة الثانية: عيسى بن مريم .
الحجة الأولى: طول عمره.
كثير من الناس يقول: طيب لماذا الإمام يعيش هذه الفترة الطويلة؟! دعه يولد آخر الزمان، بعد الله يولده الآن ويجعله يعيش أكثر من ألف سنة ثم يظهر؟! أي يخلقه آخر الزمان ويقيم دولته العادلة! لماذا يولد ويعيش هذه الفترة الطويلة؟!
الجواب : إن الإنسان مخلوقٌ إحساسيٌ، يعني: الإنسان بطبعه لأنه محاط بالحواس الخمس يسترفد المعلومات من خلال الحواس الخمس، بما أنه محاط بالحواس فهو مخلوقٌ إحساسيٌ، والمخلوق الإحساسي يقتنع بالأدلة الحسيّة أكثر ممّا يقتنع بالأدلة العقليّة، الإنسان هذا تخاطبه بدليل حسي يقتنع أكثر مما إذا خاطبته بالدليل العقلي لأنه مخلوقٌ إحساسيٌ، ولذلك تجد أن الله عندما بعث الأنبياء أعطاهم معاجز حسية حتى تدعم دعواهم، أعطى موسى العصا، أعطى عيسى خلق الموتى، أعطى النبي محمّدًا الإسراء والمعراج وشق القمر، أعطى الأنبياء معاجز حسية لأن الأدلة العقلية لا تكفي في إقناع البشر، لا تكفي في إفحام البشر، أعطاهم الله معاجز حسية تدعم أقوالهم وتدعم نبوتهم.
حتى الأنبياء هم أنبياء ومع ذلك يطلبوا أدلة حسية،
فمثلاً قال تعالى عن النبي إبراهيم: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى﴾ يعني: أريد دليلاً حسياً، صحيح أني نبيٌ ومقتنعٌ وعندي أدلة عقلية لكن الدليل الحسي أكثر إفحاماً، الدليل الحسي أكثر يقيناً، ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ اطمئنان القلب يحتاج إلى دليل حسي، نبي آخر: موسى بن عمران ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ - بعد هذا أعظم! - قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ - أنا الآن أقيم لك دليلاً حسياً يدلل على أن رؤيتي غير ممكنة - وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾، إذن حتى الأنبياء طلبوا أدلة حسية لأن الدليل الحسي أقوى إقناعًا.
لاحظ الإنسان حتى يوم القيامة لجوجٌ ومجادلٌ، يأتي الإنسان يوم القيامة، يُقال له: هذا كتابك فيه سيئات! فيه معاصٍ! يقول: لا، لعل الملائكة مشتبهين! يعني ألا يشتبهون؟! لعلهم يخطأون - الملائكة - وإلا فأنا إنسان صالح! كل شيء سيء لم أفعله! يجادل، القرآن يقول: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا﴾ ما يصدّق أبدًا، طيب هذا ما الذي يقنعه؟!
هذا اللجوج لا يقنعه إلا الأدلة الحسية، الله يقيم له أدلة حسية حتى يسكت، ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ إذا شهدت الجوارح شهادة حسية سكت الكلام، سكت الجدال، ومع ذلك يظل يعاتب: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، إذن الإنسان إفحامه يحتاج إلى أدلة حسية، الإنسان بطبعه إحساسيٌ، لا يُفْحَمُ إلا بالدليل الحسي.
من هذا المنطلق إذا قام الإمامُ المهدي (عجل الله فرجه الشريف) فسوف يقيم أدلة عقلية وبراهين عقلية على إمامته وعلى دينه وعلى دوره في الأرض، وسيقيم أدلة حسية، ومن الأدلة الحسية طول عمره، نفس طول عمره هو دليلٌ على إمامته، طول عمره دليلٌ حسيٌ على إمامته، يقول للناس: من الأدلة على إمامتي أني أشهد بجميع المظالم التي وقعت على الأمة منذ يوم غيبتي إلى الآن، أشهد بجميع المظالم شهادة حسية، أين وقع الظلم، في أي بقعة، في أي زمن، من قِبَلِ مَنْ، بأي شكل، بأي نوع، كيف تطور، أين وصل، ماذا أنتج، ماذا أثمر، أنا أشهد بهذه المظالم كلها لأنني عاشرتها سمعًا وبصرًا ومعاصرة، فيشهد بجميع المظالم شهادة حسية، والشهادة الحسية تكون أقوى إفحامًا وأقوى يقينًا بالنسبة للناس من الشهادة العقلية.
إذن نفس طول عمر الإمام هو دليلٌ على إمامته، أطال الله عمرَه ليكون دليلاً على إمامته، ليكون شهادة حسية من قِبَلِ الإمام بجميع المظالم التي وقعت على الأمة المحمّديّة، ولعلّ هذا معنى الذي قال: ”إذا قام قائمُنا قضى بعلمه كقضاء داوود“ لأنه ما يحتاج بينة، الشهادة الحسية موجودة عنده، هو الشاهد، ”قضى بعلمه - لأنه هو الشاهد الحسي - ولا يسأل عن البينة“.
الحجّة الأخرى: عيسى بن مريم.
ربّما يطرح الإنسانُ سؤالاً: طيب لماذا عيسى بن مريم؟! طبعًا هذا موجودٌ في الروايات عند إخواننا أهل السنة في صحيح البخاري: ”كيف بكم إذا نزل عليكم عيسى بن مريم وإمامكم منكم“ يعني أنتم ما تحتاجوا لعيسى، إمام عندكم موجود، عيسى بن مريم ينزل وقت ظهور الإمام القائم عجل الله فرجه الشريف، لماذا قرن الله الإمامَ بعيسى؟ لماذا لم يقرنه بغيره من الأنبياء؟ لماذا لم يقرنه بغيره من البشر؟ ما هي الخصوصية الموجودة في عيسى بن مريم؟
الآن أبيّن لك: الرّوايات تذكر أنّ الدّين المسيطر إلى وقت خروج الإمام هو الدّين المسيحي، يبقى الدين المسيطر هو الدين المسيحي، ليس الانتشار، الانتشار غير السيطرة، يعني: الدين الإسلامي دين شعوب، الدين البوذي دين شعوب، ربما يكون البوذيون أكثر من المسلمين أو المسيحيين، لكن الدين المسيطر على مقاليد السياسة العالمية الدين المسيحي، يبقى الدين المسيحي هو المسيطر إلى يوم خروج الإمام، إذا نزل عيسى بن مريم وأقام للمسيحيين الدّلائلَ على أنّه هو نبيهم وهو الذي ينتظرونه - لأن المسيحيين ينتظرون عيسى - أقام لهم الدلائل على أنه هو نبيهم وأنه هو المنتظر عندهم، سيلتف العالمُ كله حول عيسى بن مريم، لأنه ظهر وأثبت للمسيحيين أنه نبيهم المنتظر عندهم، فإذا انقاد العالمُ لعيسى بن مريم أقبل وصلى خلف الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف وشهد بإمامته وشهد بدينه وشهد بأنه على رسالته، فيحصل الانقياد للإمام المنتظر ببركة شهادة عيسى بن مريم.
إذن الإمام لأنه أعْطِيَ دوراً لم يُعْط لأحدٍ أعْطِيَ حججاً أيضًا عظيمة لم تُعْط لأحدٍ، طول عمره دليلٌ على إمامته، وعيسى بن مريم دليلٌ آخر على إمامته، ويخرج في البيت الحرام، يجتمع له ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً من خُلّص البشر، ثم يراقبه الظالمون فيختفي ويخرج مرة أخرى في الكوفة ومعه رجالٌ - كما في الروايات - كزبر الحديد لا يخافون في الله لومة لائم، ويخرج من الكوفة أول ما يبدأ بكربلاء، ينطلق من قبر الحسين ليعلم البشرية أن الثورة الحسينيّة مفتاحٌ للثورة المهدويّة، ينطلق من قبر الحسين، من صوت الحسين، ويرفع الرّاية البيضاء مكتوباً عليها: يا لثارات الحسين.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة