ما هي علاقة الإمام المهدي (عج) بعلماء الشيعة في هذا الزمان ؟

, منذ 2 سنة 974 مشاهدة

إن سيرة الإمام المهدي - عجل الله فرجه – وتحركاته في غيبته الكبرى تتمحور حول هدف التمهيد لظهوره والمساهمة في أزالة العلل الموجبة لغيبته وعليه يمكننا القول بأنه يعمل في سبيل ترشيد الأمة واستجماعها لخبرات أجيالها المتعاقبة، وفي سبيل إيصال الحق إلى الجميع ودعم وتأييد العاملين من أجل نشر الإسلام النقي وحفظه، وهو يرعى عملية التمييز والتمحيص الإعدادي لجيل الظهور، ويكشف فشل المدارس الاخرى وعجزها عن تحقيق السعادة المنشودة للبشرية، ويساهم في حفظ روح الرفض للظلم ويحبط المساعي لقتلها. أنه (عليه السلام) يقوم بكل ذلك ولكن بأساليب خفية غير ظاهرة قد يتضح الكثير منها عند ظهوره كما يتضح دوره (عليه السلام) في الكثير من الحوادث الواقعة التي تصب في صالح تحقق الأهداف المتقدمة والتي لم تعرف أسباب وقوعها أو أن ما عرض من الأسباب لم يكن كافياً في رعايته للكيان الإسلامي

يقول الإمام المهدي (عليه السلام) في رسالته الأولى للشيخ المفيد (...فإنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون

إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولو لا ذلك لنزل بكم اللأواء وأصطلمكم الأعداء (1).

إن الإمام يتابع أوضاع المؤمنين ويحيط علماً بالتطورات التي تحصل لهم ومحاولات الاستئصال والإبادة التي يتعرضون لها ويتخذ الإجراءات اللازمة لدفع الأخطار عنهم بمختلف أشكالها وهذه الرعاية هي أحد العوامل الأساسية التي تفسر حفظ أتباع مذهب أهل البيت (عليه السلام) واستمرار وجودهم وتناميه على مدى الأجيال على الرغم من شدة الحملات التصفوية التي عرضوا لها والإرهاب الفكري الحاد الذي مورس ضدهم لقرون طويلة.

فهذه التصفيات الجسدية والمحاربة الفكرية الواسعة التي شهدها التاريخ الإسلامي كانت قادرة ولا شك على إنهاء وجودهم جسدياً وفكرياً لولا الرعاية المهدوية.

حفظ الإسلام الصحيح وتسديد العمل الاجتهادي

إن الإمام الهادي (عليه السلام) يقوم أيضاً في غيبته الكبرى بحفظ الإسلام النقي الذي يحمله مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

وهذه المهمة من الامام الرئيسية الإمامة، ومن مظاهر قيامه (عليه السلام) ماء له ما في ايه تسديد العمل الاجمالي الماء والهواء ومنع إجماعهم على باطل بطريقة أو بأخرى: (لأن هذه الآثار والنصوص في الأحكام موجودة مع من لا يستحيل منه الغلط والنسيان، ومسموعة بنقل من يجوز عليه الترك والكتمان. وإذا جاز ذلك عليهم لم يؤمن وقوعه منهم إلا بوجود معصوم يكون من ورائهم، شاهد، لأحوالهم، عالم بأخبارهم، من غلطوا هداههم أو نسوا ذكرهم أو كتموا، علم الحق من دونهم.

وامام الزمان (عليه السلام) وإن كان مستمراً عنهم بحيث لا يعرفون شخصه، فهو موجود بينهم، يشاهد أحوالهم ويعلمهم أخبارهم، فلو انصرفوا عن النقل، او ضلوا عن الحق لما وسعته التقية ولأظهره الله سبحانه ومنع منه الى ان يبين الحق وتثبت الحجة على الخلق) (2).

والمقصود من الظهور هنا ليس الظهور العام بل المحدود لبعض العلماء وبالمقدار اللازم لتبيان الحق، وهذه من القضايا التي بحثها العلماء في باب الإجماع، فمثلاً يقول العلامة السيد محمد المجاهد في كتابه مفاتيح الأصول: البناء على قاعدة اللطف التي لأجلها وجب على الله نصب الإمام فإنها تقضي ردهم لو اتفقوا على الباطل فإنه من أعظم الألطاف، فإن أمتنع حصوله بالطرق الظاهرة فبالأسباب (الخفية)...إن وجود الإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة لطف قطعاً، فيثبت فيه كل ما أمكن، لوجود المقتضي وانتفاء المانع.

وإن هذا اللطف قد ثبت وجوبه قبل الغيبة فيبقى بعده بمقتضى الأصل إضافة إلى أن النقل المتواتر قد دل على بقائه.

وقد ورد ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بألفاظ ومعان متقاربة النبي (صلى الله عليه وآله) لكل بدعة بها الإيمان ولياً من أهل بيتي موكلاً يذب عنه ويعلن الحق ويرد كيد الكائدين) وعنه (صلى الله عليه وآله) وعن اهل البيت (عليهم السلام) أن فيهم كل خلف عدولاً ينفون عن الدين تحريف الغالين وأنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)

وفي المستفيض عنهم (عليهم السلام): (إن الأرض تخلو وفيها عالم إذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم إلى الحق وأن نقصوا شيئاً تمم ذلك ولولا ذلك لألتبس عليهم أمرهم ولم يفرقوا بين الحق والباطل).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في عدة طرق: اللهم إنك لا تخلي الارض من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور لئلا تبطل حججك وبيناتك...) وفي بعضها: (لا بد لأرضك من حجة لك على خلقك يهديهم إلى دينك ويعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك ولئلا يضل تبع أوليائك بعد إذ هديتهم به إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم أو مترقب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فيهم، بها عاملون).

وفي تفسير قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ورد في عدة روايات: أن المنذر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي كل زمان إمام منا يهديهم إلى ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وفي بعضها عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الآية (والله ما ذهبت منا وما زالت فينا إلى الساعة.

وعن أبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: ولم تخل الأرض منذ خلقها الله تعالى من حجة له فيها ظاهر أو غائب مستور ولن تخلو إلى ان تقوم الساعة ولولا ذلك لم يعبد الله قيل: كيف ينتفع الناس بالغائب المستور؟ قال (عليه السلام): كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب.

وعن الحجة القائم (عليه السلام) قال: وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الأنظار السحاب وأني لأمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان أهل السماء.

والأخبار في هذا المعنى أكثر من أن تحصى ومقتضاها تحقق الرد عن الباطل والهداية إلى الحق من الإمام في زمن الغيبة والمراد حصولها بالأسباب الخفية كما يشعر به حدیث السحاب الانتفاع بالإمام كالاتنفاع بالشمس إذا غيبها السحاب دون الظاهرة فأنها منتفية بالضرورة ولا ينافي ذلك تضمن بعضها الأعلان بالحق فأنه من باب الأسناد إلى السبب ..(3).

تسديد الفقهاء في عصر الغيبة

وكما أشرنا عند الحديث عن نظام (السفارة والنيابة الخاصة) في الغيبة الصغرى فإن هذا النظام كان تمهيداً لإرجاع الأمة في الغيبة الكبرى إلى الفقهاء العدول كممثلين له (عليه السلام) ينوبون عنهم كقيادة ظاهرة أمر بالرجوع إليها في توقيعه الصادر إلى أسحاق بن يعقوب: وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.

وقد أشار الأئمة (عليهم السلام) من قبل إلى هذا الدور المهم للعلماء في عصر الغيبة الكبرى، فمثلاً روي عن الإمام علي الهادي (عليه السلام) أنه قال لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه الصلاة والسلام من العلماء الداعين إليه والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا أرتد عن دينه.

ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلـوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هو الأفضلون عند الله (4).

والمستفاد من قوله (عليه السلام) فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) أن الفقهاء العدول يمثلون في الواقع واسطة بين الأمة والإمام - عجل الله فرجه - الأمر الذي يعني أن يحظى بعضهم – وخاصة الذين يحظون بمكانة خاصة في توجيه الأمة ودور خاص فكري أو سياسي في قيادتها – بتسديد من قبل الإمام – عجل الله فرجه – بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالخصوص في التحركات ذات التأثير على مسيرة الأمة وحركة الإسلام ، فهو يتدخل بما يجعل هذه التحركات في صالح الأمة أو بما يدفع عنها الأخطار الشديدة الماحقة ، وقد نقلت الكثير من الروايات الكاشفة عن بعض هذه التدخلات والتي لم تنقل أو لم تدون أكثر بكثير . وقسم منها يكون التدخل من قبل الإمام مباشرة وقسم آخر يكون بصورة غير مباشرة عبر أحد أولياءه (5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(۱) الأحتجاج :١ / ٣٢٣ وصه في معادن الحكمة: ۳۰۳/۲.

(2) كنز الفوائد، العلامة الكراجكي: 2/ 219.

(3) مفاتيح الأصول: ٤٩٧٠٤٩٦، باب الأجماع.

(4) الأحتجاج: 2/ 260.

(5) جمع الشيخ كريمي الجهرمي مجموعة من هذه الروايات في كتاب ترجمه للعربية تحت عنوان: (رعاية الإمام المهدي للمراجع والعلماء الأعلام) منشورات دار ياسين البيروتية والكتف مطبوع بالفارسية في قم .

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1206 Seconds