أنّ من طلب الإمام المنتظر أرواحنا فداه صادقاً وخدم في صراطه أرواحنا فداه ودعا لتعجيل ظهوره وسعى فيه، ففي النهاية يهدى إلى الطريق وتفتح له الكوّة. فعلى هذا لا ترفعوا أيديكم عن الخدمة في الغيبة الّتي هي كحبل وضعه الأعداء على عنق أوّل مظلومٍ في العالم علىّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وربطوا به يداه والغيبة قيّدت يدا الإمام المنتظر أرواحنا فداه.
فمع سعيكم لمقدّمات ظهوره أرواحنا فداه ينقطع خيط من حبل غيبته. واطمئنّوا أنّ من ضحّى بحياته في طريق إمامه صلوات الله عليه ولم يكن في شكّ من الأمر؛ يقع منظوراً لمولاه ويسرّ الإمام أرواحنا فداه خاطره بكلام أو خبر أو نظر ويرضى قلبه. إذ لا يمكن أن يطلب الإنسان الحقيقة ويقدم في طريقها ولا ينال في العاقبة كلّها أو بعضها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من طلب شيئاً ناله أو بعضه(1).
اعتقدوا يقيناً وإن كان الآن عصر الغيبة ولم يصل زمان إظهار ولاية الإمام المنتظر وقدرته صلوات الله عليه أنّ مولانا صاحب الأمر هو قطب دائرة الإمكان وأمير عالم الوجود وولايته المطلقة تشمل كلّ العالم.
نقرأ في زيارته: السّلام عليك يا قطب العالم.
كلّ من في عالم الوجود في عصر الغيبة الظلمانيّة وكذا في عصر ظهوره اللامع يعيش في ظلّ وجوده المقدّس، وكلّ العالَم مديون لإمامته وولايته وليست فقط الذرّات الماديّة في العالم بل أكابر العالمين الّذين لهم نفخة عيسويّة هم تابعون له ويتبعون أوامره بل أنّ عيسى روح الله وصل إلى مقام كريم ببركته وبركات آبائه الطاهرين وليس هو فقط في عصر الظهور تحت لواء إمامته وولايته بل الآن أيضاً هو تابع له.
نقرأ في زيارته أرواحنا فداه: السّلام عليك يا إمام المسيح.
فهذا المقام أي مقام الولاية ليس مخصوصاً بعصر ظهوره اللامع، بل الآن أيضاً في مكانته العظيمة يفتخر الأتباع بانضوائهم تحت لواء إمامته صلوات الله عليه.
كلّ النجباء والنقباء وسائر أولياء الله، الّذين تركوا أنفسهم واخلصوا نيّاتهم، على قدر قيمتهم عند الله، قد حصل لهم طريق أو كمّة إلى مقام نورانيّته أي نور عالم الوجود في هذا العصر والزمان، وأنّ صاحب الأمر أرواحنا فداه يدفع غربته بهؤلاء الأشخاص الّذين ارتقوا إلى المقامات العالية.
ورد في رواية: وما بثلاثين من وحشة(2).
وغرضنا من بيان هذه المطالب هو أنّ الغيبة ليست بمعنى قطع إمداداته الغيبيّة عن الموجودات، وأنّه أرواحنا فداه في هذا الزمان لا يساعد أحداً ولا يوجد طريق أو كمّة إلى النور، بل كما قلنا: إنّ الّذين يسعون للوصول إليه مع الصداقة؛ وفي ظلّ حظّهم عن بحار معارفه صلوات الله عليه يتوقّعون ظهوره في طول حياتهم، يضيفون على استحكام قلوبهم المحكمة بخبر عنه أو نظر منه إليهم.
وهكذا نسمع خطاب هذه الشخصيّات المخلصة: «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِي الْمُقَدَّسِ طُوى»(3).
فاخلعوا نعلكم حتّى تروا كيف أوقعوا الجراح على أرجلكم لتتوقّفوا عن السير إلى أمير عالم الوجود. ومع الأسف أنّ بعض الأفراد مضافاً إلى أنّهم لا يخلصون نيّاتهم، يلقون الحصى في نعل غيرهم ويتعبونهم. هؤلاء مع لسانهم الحادّ يلدغون قلوب أحبّائه صلوات الله عليه - لأنّهم للإلقاءات الشيطانيّة - يميلون أن يتوقّف الكلّ عن السير في طريقه أرواحنا فداه. كأنّهم لا يدرون أنّ العداوة مع صراطه ومع أحبّائه، عداوة مع شخصه الشريف أرواحنا فداه. ألم يقل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):
أصدقاؤك ثلاثة وأعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك صديقك، وصديق صديقك، وعدوّ عدوّك، وأعداؤك عدوّك، وعدوّ صديقك، وصديق عدوّك(4).
بناءً على هذا؛ ألا تكون العداوة مع أحبّاء الإمام المنتظر صلوات الله عليه مخالفة مع شخصه صلوات الله عليه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح غرر الحكم: ٣٠٥/٥.
(2) البحار: ١٥٣/٥٢.
(3) طه: ١٢.
(4) نهج البلاغة: كلمات القصار: ٢٩٥.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة