هل يمكن إثبات طول عمر الامام المهدي طبياً ؟

, منذ 3 سنة 544 مشاهدة

الشيخ معتصم سيد أحمد
بحسب المنهج التجريبي لم يثبت امكانية طول العمر وانما مجرد فرضية 
الإجابة:
أولاً: لابد من لفت الانتباه إلى أن البحوث العلمية التي لها علاقة بعمر الإنسان قائمة اساساً على دراسة أسباب الموت؛ بمعنى أن الافتراض الاولي قائم على استمرارية الحياة، ومن هنا نجد مراكز البحث العلمي والكليات الطبية المختصة تعمل على اكتشاف الأسباب التي تعيق استمرار الحياة، فتشخص الامراض ومن ثم تقدم العلاجات المناسبة لكل مرض، ومازالت الجهود مستمرة لاستقصاء كل مهددات الحياة؛ وذلك لكون الإنسان بطبعه يتعامل مع الموت كاستثناء عارض ولذا يعمل جاهداً على منعه والقضاء عليه، ومن هنا يفترض العلماء إمكانية تشخيص جميع مسببات الموت وإيجاد الحلول المناسبة لها وبالتالي يطمحون إلى خلود الإنسان، وهذا هو السبب الجوهري خلف استمرار هذه البحوث العلمية، ومن المعلوم أن هناك قسم خاص في الطب يسمى بالطب الشرعي وظيفته الأساسية هو التشريح وبيان أسباب الوفاة، مما يؤكد على أن الفرضية العلمية قائمة على اصالة الحياة وعرضية الموت، فلا يقال لماذا هذا حي وإنما يقال لماذا مات؟ والإنسان المؤمن بالله يعتقد بان إرادة الحياة والموت بيد الله تعالى الذي يقدر اعمار العباد، ولا يخالف هذا الاعتقاد الأسباب الطبيعية للموت وإنما يجعلها جميعها خاضعة لإرادة الله، فالإنسان الذي جاء إلى الحياة بدون ارادته سوف يخرج منها أيضاً بغير أرادته، وبما أن إرادة الله هي المتحكمة فإن اعمار البشر تتباين بحسب الوظيفة التي جعلها الله لكل واحد، وإذا كانت حياة معظم البشر تشترك في وظيفة واحدة اقتضت أن تكون أعمارهم دون المائة عام في الغالب، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود من تقضي وظيفته في الحياة أن يعيش اكثر من ذلك بكثير كما هو حال نبي الله نوح. 
ثانياً: الكلام عن إمكانية العمر الطويل يفهم في ثلاث مستويات، والإشكال المطروح أشار إلى مستوى وأهمل المستويات الأخرى، فقبل الإمكان العلمي والتجريبي هناك أمكان عقلي وإمكان أخر عملي؛ أما الإمكان العقلي فيعني أن العقل لا يرى محال في طول عمر الإنسان، فتجاوز العمر فوق الحد المألوف لا يقع في دائرة المستحيل عقلاً؛ لأن العقل لا يحكم باستحالة شيء إلا إذا أدى إلى اجتماع النقيضين، وإطالة عمر الإنسان ليس فيه ادنى تناقض، حيث لا يلحظ العقل وجود تناقض في أن يعيش الإنسان مثلاً ألف سنة، ولذا نجد أن الفخر الرازي دافع عن إمكانية العمر الطويل في تفسيره بقوله: (قال بعض الأطباء: العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة، والآية تدلّ على خلاف قولهم، والعقل يوافقها، فإنَّ البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته وإلّا لما بقى، ودوام تأثير المؤثر فيه ممكن؛ لأنّ المؤثر فيه إنْ كان واجب الوجود فظاهر الدوام، وإن كان غيره فله مؤثر، وينتهي إلى الواجب وهو دائم، فتأثيره يجوز أن يكون دائماً. فإذن البقاء ممكن في ذاته، فإن لم يكن فلعارض، لكن العارض ممكن العدم، وإلّا لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع. فظهر أنَّ كلامهم على خلاف العقل والنقل) (التفسير الكبير / الرازي ٢٥: ٤٢).
أما الإمكان العملي فقد اخبرنا الله تعالى عن وقوع ذلك بالفعل، كما هو حال نبي الله نوح الذي لبثَ في قومه ألف سنةٍ إلّا خمسين عاماً، وهذا غير عمره قبل النبوّة ، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) وأن عيسى (عليه السلام) لم يمت وإنّما رفعه الله إليه كما في قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)، وسيعود مرة أخرى الي الأرض ويكون عوناً للإمام المهدي (عليه السلام)،  وقد أقر بوقوع العمر الطويل كل المسلمين وروا فيه الاخبار والاحاديث، كما جاء في الصحيحين أن الدجال موجود منذ عهد رسول الله وإلى اليوم وهو حيّ يرزق. 
وهذا ما افتى به هيئة العلماء كما هو مشار إليه في موقع اسلام ويب (رقـم الفتوى: 52685) وعنوان الفتوى: المسيح الدجال حي. تاريخ الفتوى: (13 رجب 1425 / 29-08-2004) السؤال: هل المسيح الدجال موجود الآن، أي حي يرزق؟ الفتوى الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن المسيح الدجال موجود الآن وهو حي يرزق، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفاصيل ذلك وأدلته نحيلك إلى الفتوى رقم: 10491. والله أعلم. المفتـــي: مركز الفتوى).
وعليه فعندما تتحدّث الروايات الصحيحة ويشهد الشهود، وتتوالى الاعترافات بوجود المهدي من عترة الرسول الأكرم، من ولد فاطمة، نجل الحسن العسكري الذي ولد سنة (٢٥٥ هـ)، فسوف لا يبقى عند ذلك وجه للاستغراب والإنكار إلّا عناداً واستكباراً.
 أما الإمكان العلمي فهو موجود بالفعل؛ بل يعمل على تحقيق خلود الإنسان وإن كانت الإمكانات المتاحة لم تساعده في تحقيق ذلك، وعليه فأن الإمكان العلمي ليس شيئاً اخراً غير محاولة العلماء التحكم الفعلي في اعمار البشر، وهذا ما لا يمكن قبوله على اطلاقه؛ لأن الأعمار في حقيقتها بيد الله عزّ وجل، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) صحيح أن الله سبحانه يوفّر الأسباب الكفيلة بإدامة الحياة إلى حين الأجل المقدر، ودور العلم هنا اكتشاف تلك الأسباب دون أن يكون له هيمنة على إرادة الله وتقديره، وفي المحصلة لا يمكن رفض أن يعيش الإنسان آلاف السنين من جهة العلم، طالما يسعى العلماء لجعل ذلك حقيقة فعلية، فقد جاء في مجلة المقتطف المصريّة، الجزء الثاني من المجلد ٥٩، الصادرة في آب ـ اغسطس ـ ١٩٢١ م ، الموافق ٢٦ ذي القعدة سنة ١٣٣٩ ه‍ ص ٢٠٦ تحت عنوان [ خلود الإنسان على الأرض ] ما هذا لفظه : قال الاُستاذ «ريمند بول» أحد أساتذة جامعة جونس هبكنس بأمريكا: «إنّه يظهر من بعض التجارب العلميّة أنَّ أجزاء جسم الإنسان يمكن أن تحيا الى أيّ وقتٍ أُريد، وعليه فمن المحتمل أن تطول حياة الإنسان إلى مائة سنة، وقد لا يوجد مانع يمنع من إطالتها إلى ألف سنة». وذكرت هذه المجلّة في العدد الثالث من المجلّد ٥٩ الصادر في أيلول من نفس العام ص ٢٣٩، «إنّه في الإمكان أن يبقى الإنسان حيّاً أُلوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبلَ حياته، وقولهم هذا ليس مجرّد ظن، بل نتيجة عمليّة مؤيّدة بالإمتحان».
وفي الختام حتى لو افترضنا أن قانون الشيخوخة قانون صارم، وإطالة عمر الانسان أكثر من الحد الطبيعي والمعتاد هو خلاف القوانين الطبيعيّة المعتادة؛ فالأمرُ بالنسبة للمهدي (عليه السلام) يكون من قبيل المعجزة، والمسلم الذي يستمد عقيدتَه من القرآن الكريم والسُّنة المشرفة لا يعارض مثل هذا الاعجاز.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 1.8457 Seconds