ان قيام الامام المهدي (عليه السلام) ونهضته الإلهية المباركة، يكون بعد خطبته الشريفة عند بيت الله الحرام، والبيعة معه بين الركن والمقام.
فانه (عليه السلام) بعد ظهوره يُسند ظهره الى الكعبة المعظمة، مستجيراً بربّ العظمة. فيُلقى خطبته العصماء، المبدوّة بحمد وثناء ربّ السماء، والصلاة والسلام على سيد الانبياء وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين.
ثم تتم البيعة الكريمة، بيعة جنود الرحمن لصاحب الزمان.
ثم يكون القيام بالسيف لاستئصال المعاندين والمتكبّرين الظالمين.
فلنبين هذه المراحل الثلاثة فيما يلي:
١ - الخطبة
في بداية القيام، يورد (عليه السلام) خطبته البليغة التي يستنصر الله تعالى فيها، ويتبين مقامه الالهي منها، واول ما ينطق به قوله تعالى:
(بقيّةُ اللهِ خيرٌ لكُم إن كنتم مؤمنين)(1).
وفي حديث جابر الجعفي، عن الامام الباقر (عليه السلام) في بيان الخطبة:
«والقائم يومئذ بمكّة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به، فينادي: يا أيّها الناس! إنّا نستنصر الله، فمن أجابنا من الناس فإنّا أهل بيت نبيّكم محمّد، ونحن أولى الناس بالله وبمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فمن حاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجّني في محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأنا أولى الناس بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن حاجّني في النّبيين فأنا أولى الناس بالنبيّين.
أليس الله يقول في محكم كتابه: (إنَّ الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيمَ وآلَ عمرانَ على العالمين ذريّةً بعضُها من بَعض والله سميع عليم)(2)؟
فأنا بقيّة من آدم، وخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمّد صلّى الله عليهم أجمعين.
ألا فمن حاجّني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجّني في سنّة رسول الله فأنا أولى الناس بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فأنشد الله: من سمع كلامي اليوم لمّا [أ] بلغ الشاهد [منكم] الغائب، وأسألكم بحقِّ الله وحقِّ رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبحقّي - فإنَّ لي عليكم حقَّ القربى من رسول الله - إلّا أعنتمونا(3) ومنعتمونا ممّن يظلمنا؛ فقد اُخفنا وظُلمنا، وطُردنا من ديارنا وأبنائنا، وبُغي علينا، دُفعنا عن حقّنا، وافترى أهل الباطل علينا(4). فالله الله فينا، لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله تعالى»(5).
وفي حديث المفضل في البحار(6):
«وسيّدنا القائم (عليه السلام) مسند ظهره إلى الكعبة ويقول: يا معشر الخلائق! ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث. فها أنا ذا آدم
وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا ذا نوح وسام. ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل. ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع. فها أنا ذا موسى ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون، فها أنا ذا عيسى وشمعون.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمّد وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، فها أنا ذا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام). ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)، فها أنا ذا الحسن والحسين. ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمّة من ولد الحسين (عليهم السلام)، فها أنا ذا الأئمة (عليهم السلام). أجيبوا إلى مسألتي، فانّي اُنبّئكم بما نبّئتم به وما لم تنبّئوا به، ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع منّي.
ثمَّ يبتدئ بالصحف الّتي أنزلها الله على آدم وشيث (عليهما السلام)، ويقول اُمّة آدم وشيث هبة الله: هذه والله هي الصحف حقّاً، ولقد أرانا مالم نكن نعلمه فيها، وما كان خفي علينا، وما كان اُسقط منها وبدِّل وحرِّف.
ثمَّ يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور.
فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم (عليهما السلام) حقّاً، وما اُسقط منها وبدِّل وحرِّف منها. هذه والله التوراة الجامعة والزَّبور التامُّ والإنجيل الكامل وإنّها أضعاف ما قرأنا منها.
ثمَّ يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقّاً الّذي أنزله الله على محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...»(7).
وفي الحديث الشريف:
«يدعو الناس الى كتاب الله، وسُنّة نبيّه، والولاية لعلي بن أبي طالب، والبراءة من عدوه»(8).
٢ - البيعة
بعد خطبته (عليه السلام) تتم البيعة معه، بيعة أهل السماء والأرض؛ بيعةٌ يبدؤها أمين وحي الله جبرئيل (عليه السلام)، ثم المؤمنون الكرام.
ففي حديث الامام الصادق (عليه السلام):
«إنّ أول من يبايع القائم (عليه السلام) جبرئيل (عليه السلام)...»(9).
وفي الحديث الآخر:
«فيبعث الله جلَّ جلاله جبرئيل (عليه السلام) حتّى يأتيه فينزل على الحطيم، ثمَّ يقول له: إلى أيِّ شيء تدعو؟
فيخبره القائم (عليه السلام)، فيقول جبرئيل (عليه السلام): أنا أوَّل من يبايعك، ابسط يدك.
فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فيبايعونه، ويقيم بمكّة حتّى يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثم يسير منها الى المدينة»(10).
وفي الحديث الآخر:
«يا مفضّل، كلّ بيعة قبل ظهور القائم (عليه السلام) فبيعته كفر ونفاق وخديعة. لعن الله المبايع لها والمبايع له.
بل يا مفضّل يسند القائم (عليه السلام) ظهره إلى الحرم ويمدُّ يده، فتُرى بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله، وعن الله، وبأمر الله.
ثمَّ يتلو هذه الآية: (إنَّ الّذين يُبايعونَك إنّما يبايعونَ اللهَ يدُ اللهِ فَوق أيديهم فمن نكثَ فإنّما ينكُثُ على نفسه)(11) الآية.
فيكون أوَّل من يقبّل يده جبرئيل (عليه السلام)، ثمَّ يبايعه، وتبايعه الملائكة ونجباء الجنِّ، ثمَّ النقباء»(12).
فتتم البيعة والمعاهدة معه على الطاعة، ويكون السلام عليه بنحو: «السلام عليك يا بقية الله»، كما في الحديث(13).
وتكون بيعة أنصاره معه على الامور التالية:
«على أن لا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يسبّوا مسلماً، ولا يقتلوا محرّماً، ولا يهتكوا حريماً محرماً، ولا يهجموا منزلاً، ولا يضربوا احداً الّا بالحقّ، ولا يكنزوا ذهباً ولا فضّة ولا بُرّاً ولا شعيراً، ولا يأكلوا مال اليتيم، ولا يشهدوا بما لا يعلمون، ولا يخربوا مسجداً، ولا يشربوا مسكراً، ولا يلبسوا الخزَّ ولا الحرير، ولا يتمنطقوا بالذهب، ولا يقطعوا طريقاً، ولا يخيفوا سبيلاً، ولا يفسقوا بغلام، ولا يحبسوا طعاماً من بُرّ او شعير، ويرضون بالقليل، ولا يشتمون، ويكرهون النجاسة، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويلبسون الخشن من الثياب، ويتوسّدون التراب على الخدود، ويجاهدون في الله حق جهاده، ويشترط على نفسه لهم ان يمشي حيث يمشون، ويلبس كما يلبسون، ويركب كما يركبون، ويكون من حيث يريدون، ويرضى بالقليل، ويملأ الأرض بعون الله عدلاً كما ملئت جوراً، يعبد الله حق عبادته، ولا يتخذ حاجباً ولا بوّاباً»(14).
٣ - القيام
يقوم الامام المهدي (عليه السلام) بإذن الله تعالى قيامه الحق الذي يُظهره الله على الدين كلّه وعلى وجه الأرض جميعه، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً.
ويكون القيام في يوم عاشوراء، كما في حديث الامام الباقر (عليه السلام) في هذا الباب(15).
ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص كما في حديث الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(16).
ينهض (عليه السلام) في خمسة آلاف من الملائكة؛ جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرّق الجنود في البلاد كما في الحديث(17).
ويكون قيامه مع عمامة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودرعه، وسيف ذي الفقار، مع اصحابه الذين هم رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله أشدُّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلاّ خرَّبوها، كأنَّ على خيولهم العقبان، يتمسّحون بسرج الامام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم.
رجال لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدويِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح كأنَّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: «يا لثارات الحسين»، كما في حديث الامام الصادق (عليه السلام)(18).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحار: ج ٥٢ ص ١٩٢.
(2) سورة آل عمران: الآية ٣٤.
(3) في النسخ: «لما أعنتمونا».
(4) في البحار طبعة الكمباني: «فأوثر أهل الباطل علينا»، وفي الاختصاص: «واثر علينا أهل الباطل»، وما في البحار أنسب.
(5) الغيبة (للنعمان): ص ٢٨١ ب ١٤ ح ٦٧.
(6) البحار: ج ٥٣ ص ٩.
(7) البحار: ج ٥٣ ص ٩، وتلاحظ خطبته في حديث الامام الباقر (عليه السلام) ايضاً في تفسير العياشي: ج ٢ ص ٥٦.
(8) بحار الأنوار: ج ٥٢ ص ٣٤٣ ب ٢٧ ح ٩١.
(9) البحار: ج ٥٢ ص ٢٨٥ ب ٢٦ ح ١٨.
(10) البحار: ج ٥٢ ص ٣٣٧ ب ٢٧ ح ٧٨.
(11) سورة الفتح: الآية ١٠.
(12) البحار: ج ٥٣ ص ٨ ب ٢٥ ح ١.
(13) الوسائل: ج ١٠ ص ٤٧٠ ب ١٠٦ ح ٢.
(14) منتخب الأثر: ص ٤٦٩ وعقد الدرر ص ١٣٣.
(15) البحار: ج ٥٢ ص ٢٩٠ ب ٢٦ ح ٣٠.
(16) البحار: ج ٥١ ص ٨١ ب ١ ح ٣٧.
(17) الارشاد: ج ١ ص ٣٨٠.
(18) البحار: ج ٥٢ ص ٣٠٨ ب ٢٦ ج ٨١ - ٨٢.
المصدر : الإمام المنتظر (عليه السلام) من ولادته إلى دولته ـ تأليف : السيد علي الحسيني الصدر.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة