كيف تصرّفت السلطة العباسية حينَ ولادة الإمام المهدي عليه السلام ؟

, منذ 6 شهر 198 مشاهدة

ولد الإمام الحسن العسكري عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة (٢٣٢هـ)، وقد عاصر ثلاثة من سلاطين بني العبّاس وهم: المعتز (ت٢٥٥هـ)، والمهتدي (ت ٢٥٦هـ)، و المعتمد (ت ٢٧٩هـ).

وقد كان المعتمد شديد التعصّب والحقد على آل البيت (عليهم السلام) ومن تصفَّح كتب التاريخ المشهورة كالطبري وغيره، واستقرأ ما في حوادث سنة (٢٥٧هـ) و (٢٥٨هـ) و (٢٥٩هـ) و (٢٦٠هـ)، وهي السنوات الأولى من حكمه، عَلِمَ مدى حقده على أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

ولقد عاقبه الله في حياته، إذ لم يكن في يده شيء من ملكه حتَّى إنَّه احتاج إلى ثلاثمائة دينار فلم ينلها، ومات ميتة سوء، إذ ضجر منه الأتراك فرموه في رصاص مذاب باتّفاق المؤرّخين.

ومن مواقفه الخسيسة أمْرُهُ شرطته بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مباشرة بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً والبحث عن الإمام المهدي (عليه السلام) والأمر بحبس جواري أبي محمّد عليه السلام واعتقال حلائله يساعدهم بذلك جعفر الكذّاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه العسكري (عليه السلام) في نفوس شيعته، حتَّى جرى بسبب ذلك ـ كما يقول الشيخ المفيد ـ على مخلفي أبي محمّد (عليه السلام) كلّ عظيمة من اعتقال، وحبس، وتهديد، وتصغير، واستخفاف، وذلّ(١).

كلّ هذا والإمام المهدي في الخامسة من عمره الشريف، ولا يهمّ المعتمد العبّاسي العمر بعد أن عرف هذا الصبي هو الإمام الذي سيهدم عرش الطاغوت؛ نظراً لما تواتر من الخبر بأنَّ الثاني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

فكان موقفه من مهدي الأمّة كموقف فرعون من نبيّ الله موسى (عليه السلام) الذي ألقته اُمّه ـ خوفاً عليه ـ في اليم صبياً، وبعض الشرّ أهون من بعض.

ولم يكن المعتمد العبّاسي قد عرف هذه الحقيقة وحده وإنَّما عرفها من كان قبله كالمعتزّ والمهتدي؛ ولهذا كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حريصاً على أن لا ينتشر خبر ولادة المهدي إلاَّ بين الخلَّص من شيعته ومواليه (عليه السلام)، مع أخذ التدابير اللازمة والاحتياطات الكافية لصيانة قادة التشيع من الاختلاف بعد وفاته عليه السلام، إذ أوقفهم بنفسه على المهدي الموعود مرّات عديدة وأمرهم بكتمان أمره لمعرفة الطواغيت بأنَّه (الثاني عشر) الذي ينطبق عليه حديث جابر بن سمرة الذي رواه القوم وأدركوا تواتره، وإلاَّ فأيّ خطر يهدّد كيان المعتمد في مولود يافع لم يتجاوز من العمر خمس سنين؟! لو لم يدرك أنَّه هو المهدي المنتظر الذي رسمت الأحاديث المتواترة دوره العظيم بكلّ وضوح، وبيَّنت موقفه من الجبابرة عند ظهوره.

ولو لم يكن الأمر على ما وصفناه فلماذا لم تقتنع السلطة بشهادة جعفر الكذّاب وزعمه بأنَّ أخاه العسكري (عليه السلام) مات ولم يخلّف ولداً؟ أما كان بوسع السلطة أن تعطي جعفراً الكذّاب ميراث أخيه العسكري (عليه السلام) من غير ذلك التصرّف الأحمق الذي يدلُّ على ذعرها وخوفها من ابن الحسن عليه السلام؟!

قد يقال: بأنَّ حرص السلطة على إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه هو الذي دفعها إلى التحرّي عن وجود الخلف لكي لا يستقلّ جعفر الكذّاب بالميراث وحده بمجرَّد شهادته! فنقول: ومع هذا، فإنَّه ليس من شأن السلطة الحاكمة آنذاك أن تتحرّى عن هذا الأمر بمثل هذا التصرّف المريب، بل كان على السلطة أن تحيل دعوى جعفر الكذّاب إلى أحد القضاة، لاسيّما وأنَّ القضيّة من قضايا الميراث التي يحصل مثلها كلّ يوم مرّات، وعندها سيكون بوسع القاضي التحقيق واستدعاء الشهود كاُمّ الإمام العسكري (عليه السلام)، ونسائه وجواريه والمقرَّبين إليه من بني هاشم، ثمّ يستمع إلى أقوالهم ويثبت شهاداتهم، ثمّ يصدر الحكم على ضوء ما بيديه من شهادات.

أمَّا أن تنفرد السلطة بنفسها ويصل الأمر إلى أعلى رجل فيها، وبهذه السرعة، ولمَّا يدفن الإمام الحسن (عليه السلام)، وخروج القضيّة عن إرادة دائرة القضاء مع أنَّها من اختصاصاته، ومن ثَمَّ مداهمة الشرطة لمن في بيت الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته مباشرة، كلّ ذلك يدلُّ على تيقّن السلطة من ولادة الإمام المهدي وإن لم ترَه، لما سبق من علمهم بثاني عشر أهل البيت كما أشرنا إليه؛ ولهذا جاءت للبحث عنه لا بعنوان إعطاء ميراث العسكري (عليه السلام) لمن يستحقّه من بعده، وإنَّما للقبض عليه والفتك به بعد أن لم يجدوا لذلك سبيلاً في حياة أبيه العسكري عليه السلام.

ولهذا كان الخوف على حياته الشريفة من أسرار غيبته (عليه السلام)، كما مرَّ عليك في إخبار آبائه الكرام عليهم السلام عنها قبل وقوعها بعشرات السنين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. الإرشاد ٢: ٣٣٦.

المصدر : متاهات في مدينة الضباب ـ المحاورون: سماحة الشيخ محمّد السند وسماحة الشيخ علي الكوراني

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.2007 Seconds