الشيخ حيدر السندي
كيف يمكن أن أقوي علاقتي مع الإمام المهدي (عليه السلام) ، وكيف أستطيع أن أخلق شخصية مهدوية مرضية عند صاحب العصر والزمان ؟ فإن غاية كل واحد منا أن يكون مرضياً عنده (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وقد قال سيد الشهداء (عليه السلام): (رضا الله رضانا أهل البيت) فكيف يمكن أن نُحقق هذه الغاية ؟
وتوجد أمور ثلاثة ترتبط بهذا السؤال :
الأمر الأول : هو معرفة جواب هذا السؤال ، فما هي الأمور التي إذا قمت بها يقوى ارتباطي بالإمام المهدي (عليه السلام) و تقوى علاقتي به ، أكون مرضياً عنده ؟
الأمر الثاني : الاجتهاد وبذل الوسع والطاقة في تحقيق هذه الأمور التي تبني العلاقة وتُقوي العلاقة .
الأمر الثالث : هو الدعاء ، فإن كل واحد منا يحتاج إلى دعاء لكي يوفق في معرفة هذه الأمور وفي القيام بها و تحقيقها حتى ينتهي إلى غايته وما يرجوه ، وهو أن يكون مهدويّاً مقبولاً عند صاحب العصر (صلوات الله وسلامه عليه) ، ففي الرواية قال داود الرقّي للإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه): كيف أدعو الله ليرضى عني إمامي؟ وهذا سؤال جداً جميل مهم وفائدته فائدة عظيمة ، فقال له (صلوات الله وسلامه عليه) : قل اللهم يا رب إمامي وربي وخالق إمامي وخالقي ورازق إمامي ورازقي إرضَ عني وأرضِ عني إمامي).
فهذا الدعاء دعاء مهم و ينبغي أن يلهج المؤمن به و يُكرره حتى يمنّ الله تبارك وتعالى عليه ، ويُحقق له ما يريد ، وهو رضا الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) و (من أراد الله بدأ بكم) .
و إذا أتينا عند جواب السؤال الأساس في موضوعنا ، وهو :
ما هي الأمور التي بها أقوى العلاقة مع الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) ؟
فإن جوابه هو أنه توجد أمور متعددة لها دخل في حدوث أصل العلاقة مع الإمام و(صلوات الله وسلامه عليه) و لها دخل في استمرار العلاقة معه، ولها دخل في تقوية العلاقة ، و أذكر من هذه الأمور :
معرفة الإمام (صلوات الله وسلامه عليه):
الأمر الأول : هو معرفة الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) ، فلا يمكن أن أبني علاقة مع الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) إذا كنت لا أعرفه ، فالخطوة الأولى هي المعرفة ، ولابد لكي تتحقق العلاقة وتقوى أن تكون هذه المعرفة منبسطة على جهات ثلاث :
الجهة الأولى : هي أن أعلم بوجوده وبإمامته (صلوات الله وسلامه عليه) ، ولابد أن تكون معرفتي مستندة إلى الدليل والبرهان حتى تكون معرفة مستقرة وليست مستودعة زائلة ، ففي الرواية يقول الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه): (أعرف الإمام فإذا عرفت لم يضرك تقدم الأمر أو تأخر) ، في لفظ آخر (إعرف العلامة فإذا عرفته لم يضره تقدم الأمر أم تأخر)، و يُحتمل أن المقصود بالعلامة هو الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) فإنه علامة و آية لله تبارك وتعالى ولدين الله ( نحن الأعراف الذين لا يُعرف الله إلا عن طريق معرفتنا ) (بنا عُرف الله) (بنا عُبد الله) ، ويُحتمل أن المقصود بالعلامة الدليل والبرهان الذي يدل على وجوده و يدل على إمامته و عصمته (صلوات الله وسلامه عليه) ، فالمعرفة المستندة إلى البرهان هي المعرفة التي تُحافظ على الإيمان تجعل الإيمان إيماناً مستقراً ، فمن عنده دليل يكون إيمانه كالجبل الذي تتكسر على حافته أمواج الشبهات والفتن .
و أدنى ما يجب على الإنسان أن يعرفه في هذه الجهة هو أن يعرف أن الإمام المهدي (صلوات الله وسلامه عليه) إمام معصوم مفترض الطاعة ، خليفة يقوم مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، يقول الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه): ( أدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي الله (صلى الله عليه وآله) إلا درجة النبوة ووارثه وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتسليم له في كل أمر والرد إليه و الأخذ بقوله).
فهذه المعرفة إذا كانت عن برهان سوف تكون ترساً ودرعاً يُحافظ به المؤمن على الإيمان عند أي شبهة .
فإذا طرح شخص عليه سؤال : لماذا غابَ الإمام (صلوات الله وسلامه عليه) مع أن الناس تحتاج إليه ؟
فالجواب : أنا مسلّم له أرد الأمر إليه .
وهل له فائدة في حال الغيبة ؟
فالجواب : أنا أسلم له أرد الأمر إليه .
و لماذا لا يظهر في هذا الزمان ، وقد امتلأت الأرض جوراً ، فلماذا لا يخرج لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ؟
فالجواب : أنا مسلم له أرد الأمر إليه .
فهذا جواب محكم يمكن أن يذكر على كل سؤال يطرح حول القضية المهدوية ما دام هذا الجواب يوجد عليه دليلٌ قطعي وبرهان علمي.
الجهة الثانية : هي معرفة كمالات ومقامات الإمام المهدي (صلوات الله وسلامه عليه) ، فالنفس الإنسانية فطرت على حب الكمال ، وهذا أمر وجداني ، فكل شخص منا يُدرك أنه يُحب الكمال و يُحب الجمال ، و يتعلق بالكمال والجمال ، وبقدر معرفة الإنسان لمقدار الكمال يكون مقدار حبه و مقدار تعلقه ، فكلما كان الإنسان أعرف بكمالات الإمام الحجة (صلوات الله وسلامه عليه) كلما كان أكثر تعلقاً به و أكثر حباً و اشتياقاً ، لهذا اهتمت الروايات ببيان مقام كثيرة للإمام الحجة (صلوات الله وسلامه عليه) ، وفي نواحي وجهات كثيرة ، فإن هذا له دخل في تعلق الإنسان به بقدر معرفة هذه المقامات.
و بعض الروايات بيّنت أن الإمام الحجة (صلوات الله وسلامه عليه) خلاصة جميع الأنبياء والرسل والأئمة والأوصياء والأولياء الصالحين ، و جُمع فيه جميع ما وضع فيهم من كمالات ومقامات عالية ، يقول الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه): ( إذا ظهر القائم قال وقد أسند ظهره إلى الكعبة ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا آدم وشيث ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام فها أنا نوح وسام ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنا إبراهيم وإسماعيل)، ويستمر في ذكر الأنبياء إلى أن ينتهي إلى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) ، ثم يذكر أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) إلى والده الإمام الحسن العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) فهو جامع لكمالات هؤلاء ، فهو خليفة رسول الله سيد الخلق طراً و يقوم مقامه (صلى الله عليه وآله) ، و (أدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي) يسد مسد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، إن بيان هذا المقام العظيم ، وهو أنه جامع كمالات الجميع سبب لشدة تعلق الإنسان به، وهو يساهم في جعل حب الإنسان له آكد وأقوى .
الجهة الثالثة : هي فضله علينا وإحسانه بنا ، فإن أعظم مخلوق له فضل علينا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وبعد أمير المؤمنين والحجج المعصومين إلى الإمام الحسن العسكري هو الإمام الحجة (صلوات الله وسلامه عليه) ، فلولاه لم نتنفس هذا الهواء، ولم نأكل ما نأكل، ولم نشرب ما نشرب ، ولم نلبس ما نلبس ولم يصل إلينا خير أبداً ، لماذا ؟
لأن الله تبارك وتعالى لا يُبقي هذه الأرض من دون حجة ، يقول الإمام الباقر (صلوات الله وسلامه عليه): ( إن الإمام لو رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله ) ويقول الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) : ( لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها ) فهو الوتد الذي به يُبقي الله تبارك وتعالى الكون و يُبقي الوجود في هذه النشأة به ( بيمنه رزق الورى بوجوده ثبت الأرض والسماء ) و ( بكم فتح الله وبكم يختم وبكم يُنزل الغيث وبمكن يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبكم ينفس الهم وكشف الضر ) ، ففضله ( صلوات الله وسلامه عليه ) علينا عظيم ، و معرفة هذا الفضل يُساهم في قوة الارتباط به ، لأن الإنسان فطر على أن يحب من أحسن إليه و من أنعم ، و العقل يحكم بشكر المنعم، و مراعاة حقه ، وهو صلوات الله وسلامه عليه منعم علينا ، و هذا داع لشدة الارتباط به (صلوات الله وسلامه عليه) .
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة