كيف ينبغي لفكرة غيبة الإمام أن تترك أثرها على سلوكنا العملي؟! فالذين لا يؤمنون بهذه العقيدة كيف يكون سلوكهم؟ والذين يؤمنون بهذه العقيدة - مثلنا نحن - كيف تتأثرون بهذه الفكرة في مقام العمل؟!
نعم نحن نعتقد أن الإمام مطلع على أعمالنا ويشهد عليها (عجَّل الله فرجه) يوم القيامة
هل تعلمون أن كل إنسان منا له جملة من الشهود؟! إضافة إلى الله (أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى)(1) يوجد شهود على كل إنسان، وأحد الشهود ملكان عن اليمين وعن اليسار (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ)(2)، فهذا ليس قصة، وإنما لأجل أن يقال للإنسان: اتق أيها الإنسان، (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(3)، والجوارح تشهد يوم القيامة.
الآن العلم الحديث إلى أين وصل؟! يضبط كل الحركات، فالآن حركاتنا يمكن أن يضبطوها بالوسائل الحديثة لكن لم يتوصل العلم الحديث ولن يتوصل إلى أن يجعل نفس الإنسان وجوارحه تشهد عليه (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إلى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)(4). إذن الجلد يشهد والعين تشهد..
صحيفة الأعمال ماذا نفعل بها؟! الآن إذا عندنا معاملة نخاف نتكلم بكلمة ويسجلوها علينا في صحيفة الأعمال، أما الحقيقة فلمَ نخاف منها؟ انظروا إلى قلة عقلنا - أيها الأخوة - إلى متى هذا الذهول (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)(5).
والكتاب الكبير الذي يجمع جميع أعمال الخلائق من أول خلقة أبينا آدم (عليه السلام) وحتى نهاية البشرية، جميع الأعمال موجودة في كتاب واحد،(وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلّا أَحْصاها).(6)
والأرض تشهد (وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الإنسان ما لَها يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها).(7)
وواحد من الشهود هو الرسول (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ)(8) فالرسول يشهد.
يقول الراوي: كنت عند الإمام الرضا (عليه السلام) فقال: مالكم تسوؤون رسول الله! يقول: تعجب أحد الجالسين أنه كيف يكون ذلك! فقال الإمام: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه فإذا كان فيها حسنة سرّه ذلك، وإذا رأى فيها سيئة ساءه ذلك، فسروا رسول الله ولا تؤذوه.(9)
شخص آخر - وهو عبد الله الزيارات - يقول للإمام الرضا (عليه السلام): سيدي ادع لي ولأهل بيتي، يقول له: أو لم أفعل؟ إن أعمالكم لتعرض عليّ، فاستعظم الرجل ذلك، فقرأ (عليه السلام) قوله تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).
في هذا الزمان من الذي يرى أعمالنا وتعرض عليه؟ إنّه سيدنا ومولانا.
أيها الأخوة تعالوا لنسر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، لنتب إلى الله (عزَّ وجلَّ)، ونسرّ الإمام ونطلب منه ونقول له: يا سيدنا ومولانا بحق أمك الزهراء (عليها السلام) ادع الله (عزَّ وجلَّ) لأن يوفقنا للطاعة ويبعدنا عن المعصية إنه سميع مجيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العلق (٩٦): ١٤.
(2) ق (٥٠): ١٧.
(3) ق (٥٠): ١٨.
(4) فصّلت (٤١): ١٩ - ٢٢.
(5) الإسراء (١٧): ١٣ - ١٤.
(6) الكهف (١٨): ٤٩.
(7) الزلزلة (٩٩): ٢ - ٤.
(8) النحل (١٦): ٨٩.
(9) لاحظ: بصائر الدرجات للصفّار: ٤٤٦ الحديث ١٧، الكافي: ١ / ٢١٩ الحديث ٣.
الشيخ باقر الأيرواني
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة