الشبهة الأولى : لا فائدة من الإمام الغائب:
ما هي فائدة الإمام الغائب؟ علماً أنَّه لا بدَّ من فرض فائدة لتنصيب الإمام، فقد اعترفت الشيعة بعدم إمكان تسيير الأُمور للأُمَّة الإسلاميَّة بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلَّا بالإمام، فغيبته تنافي ذلك.
وجوابها: بعد أنْ قام البرهان على وجوده (عجَّل الله فرجه) فلا مجال للاستفسار عن تصرُّفاته، فعدم إدراك الفائدة لا يُسوِّغ تضعيف الآثار، ومن ثَمَّ نفي الوجود. مضافاً إلى تأثيره التكويني، وأثره الغيبي غير المحسوس، فإنَّ معتقَد الشيعة بلا بدّيَّة الإمام ولو لأجل الحفاظ على الأثر التكويني. ناهيك عن ترتُّب جملة من الآثار المحسوسة الثابتة بناءً على قاعدة اللطف.
وعلى ذلك:
فإنَّ العقيدة بالمهدي ثابتة بالتواتر، ويجب التسليم بها، لأنَّها من الغيب، أو من جهة أنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أخبر عنها، ولا بدَّ من الإيمان بإخبار النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الشبهة الثانية : الفكرة ومنشأها عوامل نفسيَّة:
فكرة الغيبة وليدة دفع الكبت النفسي الذي يعايشه الشيعة بسبب اضطهادهم من الحكومات الظالمة.
وجوابها: أنَّ نظير هذا الكلام قيل في توجيه الاعتقاد بالله تعالى، إذ قالوا: إنَّ نكتة الاعتقاد به أمر نفسي، كما ادَّعاه (فرويد). مضافاً إلى أنَّ أدنى مراجعة لمفردات المنظومة المهدويَّة ولثقافتها تردُّ هذه الشبهة. ثمّ ما هو الدليل على أصل مدَّعاهم؟ إذ يمكن أنْ يقال: إنَّ أصل مدَّعاهم هو التأثُّر النفسي ضدَّ المذهب الشيعي واتِّساع حركته وزيادة قبوله.
الشبهة الثالثة : غيبة اللطف:
الإمام لطفٌ، بمعنى المقرِّبيَّة لله تعالى، فكيف تجوز غيبة اللطف؟ إذ شأنه لا بدَّ أنْ يكون ظاهراً، فلا يجتمع اللطف مع الغيبة.
وجوابها: أنَّ الشيعة لا تقول: إنَّ الإمام معطَّل، والذي ينافي اللطف التعطيل لا الغيبة، وفرق بينهما، وقد دلَّت الآثار على أنَّ الإمام ليس بمعطَّل، وإنَّما غائب لا تُدركه النفوس الضيِّقة، كما شُبِّه بعدم إدراك البصر للشمس عندما تحجبها الغيوم والسحاب، فهل يعني أنَّنا نتنازل عن فائدتها أثناء الحجب؟ مضافاً إلى أنَّ نفي اللطف يكون قبيحاً ومنافياً إذا كان من الله تعالى، أمَّا إذا كان بسبب العباد فالتقصير منهم، وإليهم يعود القبح.
الشبهة الرابعة : المهدي سيُولَد بعد ذلك:
التسليم بفكرة المهدي إلَّا أنَّه سيُولَد بعد ذلك، كما هو رأي العامَّة الذين استندوا لبعض الروايات من أنَّه سيُولَد آخر الزمان.
وجوابها: أنَّ وجود هذا الكمِّ الهائل من الروايات عندهم، مع عدم تعرُّضها إلى لفظة (سيُولَد)، وإنَّما عبَّرت (يظهر) في آخر الزمان، ومن الواضح أنَّ الظهور صفة يسبقها الخفاء، فمن هنا جاء التأكيد على كلمة (الظهور) في كلام المعصومين (عليهم السلام)، للتدليل على أنَّ من صفات الموعود هو الغيبة، بدلالة (الظهور) في تعابيرهم.
الشبهة الخامسة : فكرة الغيبة تنافي أحكاماً فقهيَّة:
الغيبة تنافي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاهتمام بأُمور المسلمين.
وجوابها: أنَّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروطاً، ومن الشروط أنْ يستعين الآمر بالأسباب الطبيعيَّة المعهودة، وآمريَّة الإمام تستدعي أنْ يدخل في سياق الأمر الظهوري، فإنَّ للشريعة ظاهراً وباطناً، وقد ذُكِرَ في فقه التزاحم تقديم الأهمّ، فأهمّيَّة خفائه تتقدَّم على آمريَّة الأمر بالمعروف. بل يأتي هذا الإشكال في حقِّ الخضر ونحوه. مضافاً إلى أنَّه يمكن اجتماع الغيبة مع الآمريَّة، لأنَّ المراد غيبة الهويَّة لا الذات.
الشبهة السادسة : ادِّعاء مجموعة أنَّهم هم المهدي يستدعي رفض فكرة المهدي:
ربَّما هذا المهدي أيضاً كذلك، فقد ادَّعى ذلك الكثير أو ادُّعيت لهم، كالمهدي السوداني، ومحمّد بن الحنفيَّة، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن، والعبَّاسيِّين، وغيرهم.
وجوابها: لو تمَّت هذه الملازمة لصحَّ إبطال كثير من الأُمور كالعدالة مثلاً، إذ ادَّعاها طواغيت الأرض كلُّهم. ولحكمنا على العلماء بالجهل، لكثرة من ادَّعى العلم. وهكذا الشجاعة والكرم، إذ ما من صفة كريمة إلَّا وقد ادَّعاها من ليست فيه. مضافاً إلى جملة من الإشكالات التي ذكرها الشيخ المفيد (رحمه الله) وأجاب عنها في كتابه القيِّم (الفصول العشرة في الغيبة).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : العقيدة المهدوية (إشكاليات ومعالجات) ـ تأليف : سماحة الأستاذ السيد أحمد الأشكوري.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة