ما هو سبب تسمية الإمام المهدي بــــ (بقيَّة الله) ؟

, منذ 8 شهر 309 مشاهدة

لقد مرَّت الإنسانية بأدوار عديدة وطويلة، دارت دفَّتها فيها بين يدي الصالحين أحياناً وبين يدي المفسدين أحياناً أكثر، وزمننا زمن الغيبة الكبرى، فقرن الشيطان ظهر وارتفع لواؤه، والغرب يغزونا في عقر دارنا، وشبابنا تعيش التميّع والابتعاد عن المبادئ والدين، ومئات الأقمار الصناعية تبثُّ الفساد والإفساد مجّاناً، والاقتصاد الإسلامي يسير من سيّئ إلى أسوأ، والحكومات المستبدَّة تبطش بالناس وتفرمهم بلا مبالاة..، فيا ترى.. ما هو حجم الفاجعة التي تنتظرنا أو ننتظرها؟

(إنَّ حجم القنابل النووية التي تغصّ بها ترسانة الدول الكبرى تكفي لإبادة كلّ ما على سطح الكرة الأرضية ولسبع مرّات وليس لمرَّة واحدة، ولا يبدو من العبث صنع مثل تلك الأسلحة بتلك التكاليف الفادحة التي تُحسَب بالأرقام النجومية، لقد صنعت لتُستَخدم في الحرب الذرّية الرهيبة، كما لا يبدو من الصعب اختلاق بعض الذرائع لانطلاق شرارة هذه الحرب في هذا العالم المتخم بالصدامات الحدودية واشتباك المصالح والمناطق الساخنة المشرفة على الانفجار، وأنَّنا لنلمس (الشعور بالسيطرة والهيمنة) و(جنون القوَّة) التي تساور أذهان زعماء الدول العظمى، والتي تكفي لنشوب هذه الحرب، وعليه يمكن توقّع حدوث (فاجعة كبرى) في المستقبل القريب، ولعلَّ البشرية مهدَّدة بالفناء في خضم حرب نووية شاملة، أو إثر الفقر الاقتصادي، الذي يفرزه احتكار الدول العظمى، أو بفعل نفاد مصادر الطاقة، أو تلوّث البيئة...)(1).

تحت وطأة هذه الآلام، وأمواج الفتن، وظلام المحن، يشقّ صوتٌ مدوّي يملأ الآذان الواعية، ويلهمها الصبر والشجاعة للمواجهة، ويرسم طريق الهناء والرجاء والنجاة، ويصدح قائلاً: ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ...﴾ (هود: ٨٦).

هذه الآية تقول: أيّها المؤمنون، يا من شقيتم وتعبتم من ابتعاد الناس عن الله تعالى، يا من وصل إليكم ريح الفساد فأقلق مضاجعكم، يا من حرتم في زمنٍ يجعل الحكيم حيراناً، هناك طريق وحيد ومنجى فريد لكم ولكلّ من يريد النجاة، إنَّه (بقيَّة الله)، فبقيَّة الله خير محض لكم، لا شرَّ فيه، فمن هو بقيَّة الله!؟ لا أحد غيره، إنَّه الإمام الحجَّة المنتظر (عليه السلام).

عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأله رجل عن القائم يُسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: «لا، ذاك اسم سمّى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام)، لم يُسمَّ به أحد قبله ولا يتسمّى به بعده إلَّا كافر»، قلت: جُعلت فداك، كيف يُسلَّم عليه؟ قال: «يقولون: السلام عليك يا بقيَّة الله»، ثمّ قرأ: «﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾»(2).

وفي هذه الرواية العديد من اللفتات والنكات، نذكر منها:

١ - إنَّ أسماء الأولياء وصفاتهم هي هبات من الله تعالى، تكشف عن عظيم مقاماتهم، وهي كمقاماتهم أُمور جعلية من الله تعالى، فإمامتهم وخلافتهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّها من الله تعالى، بل حتَّى عصمتهم وطهارتهم، قال تعالى: ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب: ٣٣).

وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: لِمَ سُمّي أمير المؤمنين؟ قال: «الله سمّاه، وهكذا أنزل في كتابه: (وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، وأنَّ محمّداً رسولي، وأنَّ علياً أمير المؤمنين)»(٣).

٢ - ولا ينافي هذا أن يُسمّي المحبّون أولادهم بأسماء أهل البيت (عليهم السلام) على نحو الارتجال - كما يقولون في المنطق - بمعنى أن تلاحظ معنى الاسم مرتبطاً بأهل البيت (عليهم السلام) لتكشف عن حبّك وولائك لهم، إذ التسمية بأسمائهم (عليهم السلام) تعني تيمّناً بأسمائهم (عليهم السلام) ورجاءً بأن يتَّصف الولد بصفاتهم (عليهم السلام)، بل وامتثالاً لأوامرهم بتسمية أولادنا بأسمائهم، تلك الأوامر التي جاءت على شكل تعاليم تربوية في الروايات - يعني الاستحباب المؤكَّد -، فقد روي أنَّه قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلت فداك، إنّا نُسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال: «إي والله، وهل الدين إلَّا الحبّ؟ قال الله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١]»(4).

وعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «من ولد له أربعة أولاد لم يُسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني»(5).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لا يولد لنا ولد إلَّا سمّيناه محمّداً، فإذا مضى سبعة أيّام فإذا شئنا غيَّرنا وإلَّا تركنا»(6).

عن جابر، قال: أراد أبو جعفر (عليه السلام) الركوب إلى بعض شيعته ليعوده فقال: «يا جابر، ألحقني»، فتبعته، فلمَّا انتهى إلى باب الدار خرج علينا ابن له صغير فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «ما اسمك؟»، قال: محمّد. قال: «فبِمَ تُكنّى؟»، قال: بعلي، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً شديداً، إنَّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي: يا محمّد يا علي ذاب كما يذوب الرصاص، حتَّى إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعدائنا اهتزَّ واختال»(7).

وفي الخبر: «إنَّ رجلا يؤتى في القيامة واسمه محمّد، فيقول الله له: ما استحييت أن عصيتني وأنت سميُّ حبيبي، وأنا أستحيي أن أُعذِّبك وأنت سميُّ حبيبي»(8).

٣ - وقد يقال: هل يجوز لأحد أن يُلقِّب نفسه بأمير المؤمنين تيمّناً بلقب الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه؟

والجواب: قد بيَّنت الرواية - لخصوصية في المورد وسؤال السائل - أنَّ لقب أمير المؤمنين هو هبة خاصَّة من الله تعالى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلا يجوز لأحد أن يتلقَّب به مهما كان، أي حتَّى وإن كان من أهل البيت أنفسهم، ولذا فالإمام المهدي (عليه السلام) رغم أنَّه الإمام المفترض الطاعة من الله تعالى، ولكنَّه لا يُلقِّب نفسه بذلك اللقب.

ويؤيّد هذا المعنى بعض الروايات، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يا علي، أنت أمير من في السماء، وأمير من في الأرض، وأمير من مضى، وأمير من بقي، ولا أمير قبلك، ولا أمير بعدك، لأنَّه لا يجوز أن يُسمّى بهذا الاسم من لم يُسمِّه الله تعالى به»(9).

٤ - ومنه تعرف أيضاً أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) حينما يقولون لبعض مدَّعي الخلافة بـ (أمير المؤمنين) فيما لو صحَّت تلك الروايات، فهو من باب التقيَّة المكثَّفة التي كان يعيشها أهل البيت (عليهم السلام).

٥ - واحفظ صيغة السلام على الإمام المهدي (عليه السلام) لو أدركت ظهوره، فلا تقل له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، بل قل له: السلام عليك يا بقيَّة الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكومة العالمية للإمام المهدي (عليه السلام) للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ١٣ و١٤، نقلاً عن الخبراء العالميين.

(2) الكافي ١: ٤١١ و٤١٢/ باب نادر/ ح ٢.

(٣) الكافي ١: ٤١٢/ باب نادر/ ح ٤.

(4) بحار الأنوار ٢٧: ٩٥/ ح ٥٨، عن تفسير العيّاشي ١: ١٦٨ و١٦٩/ ح ٢٨.

(5) بحار الأنوار ١٧: ٢٩/ ح ٨، عن الكافي ٦: ١٩/ باب الأسماء والكنى/ ح ٦.

(6) بحار الأنوار ١٠١: ١٣١/ ح ٢٨، عن عدَّة الداعي: ٧٧ و٧٨.

(7) الكافي ٦: ٢٠/ باب الأسماء والكنى/ ح ١٢.

(8) جامع أحاديث الشيعة ٢١: ٣٣٧/ ح (١١٥٢/١٣)، عن لب اللباب للراوندي.

(9) مائة منقبة لابن شاذان: ٥٢ و٥٣/ المنقبة ٢٦.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0523 Seconds