قال المرجع الراحل الشيخ لطف الله الصافي (قدس سره) في منتخب الأثر : اعلم أنه اختلفت الروايات في نهاية حال أم الإمام (عليه السلام)، ففي بعضها أنها حصلت بعد وفاة الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) في دار محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله العباس بن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (وصفوه بأنه ثقة عين في الحديث صحيح الاعتقاد، له كتاب)، وفي بعضها أنها طلبت من الإمام أبي محمد (عليه السلام) أن يدعو لها بالموت قبل وفاته فاستجيب دعاؤه، وفي بعضها أنها كانت حاضرة عند وفاة الإمام (عليه السلام) (و هو هذا الخبر) (1) وفي بعضها أنها هاجرت إلى مكة المكرّمة في حياة الإمام عليه السلام مع ابنه الحجة (عليهما السلام)، بأمر الإمام أبي محمد (عليه السلام).
وكما ترى أكثر هذه الروايات قد دلّ على حياتها بعد الإمام (عليه السلام)، والظاهر الأرجح حياتها بعد وفاة الإمام أبي محمد (عليه السلام)، والشاهد على ذلك وقوع قبرها خلف قبر الإمام أبي محمد (عليه السلام).
وعلى كل حال لا يضر مثل هذه الاختلافات ما نحن بصدده، فإن اعتمادنا في هذا الكتاب (2) على ما تواترت به الأحاديث أو استفاضت به في الأقل دون أخبار الآحاد، فالأخبار يؤيّد بعضها بعضا فيما اتفقت عليه، ولا يخفى عليك أن مثل هذه الاختلافات الفرعية قد وقعت في تواريخ السائرين من الأئمة والأنبياء ورجالات التاريخ، وكيفيات وقوع الحوادث المهمة المقطوع بأصلها عند الكل دون أن ذلك سببا للشك في أصل وجود الأشخاص، وأحوالهم يصير المعلومة، والحوادث التاريخية المشهورة.
هذا مضافا إلى أنّ الظروف والأحوال التي كان عصر الإمام أبي محمد (عليه السلام) إلى بعد وفاته محفوفا بها ربّما تقتضي خفاء مثل هذه الامور الجزئية (3).
انتهى كلامه نور الله ضريحه في جوار سيد الشهداء (عليه السلام)، ويف كلامه (قدس سره)
التمام والكفاية.
وقد ورد في زيارته المباركة : اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلَى بَعْلِكِ وَوَلَدِكِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلَى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ الطَّاهِرِ ، أَشْهَدُ أَنَّكِ أحْسَنْتِ الْكَفَالَةَ، وَأَدَّيْتِ الأَمَانَةَ، وَاجْتَهَدْتِ في مَرْضاتِ الله، وَصَبَرْتِ في ذاتِ الله ، وَحَفِظْتِ سِرَّ اللَّهِ، وَحَمَلْتِ وَلِيَّ الله، وَبالَغَتِ في حِفْظِ حُجَّةِ الله ....
وهذه العبارات في الزيارة تؤيد بقاءها بعد شهادة الإمام العسكري (عليه السلام) أن دار الإمام وتحمّلها جملة من المصائب والمحن، سيما مع ما ورد من العسكري (عليه السلام) كبست بعد شهادته (عليه السلام) وقد غارت الخيل على الدار وانتهب ما فيها(4)، وما ذكره النجاشي في ترجمة محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن والدة صاحب الأمر (عليه السلام) حصلت في داره بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وما ورد من أن المعتمد لعنه الله وجه بخدمه فقبضوا عليها بعد شهادة الإمام العسكري (عليه السلام) وطالبوها بولدها أرواحنا فداه، فادعت حبلا بها لتغطي حال الصبي (5)، وأنه لعنه الله جعل نساءه ونساء أخيه الموفق العباسي ونساء القاضي أبي الشوارب ونساء خدمهم يتعاهدن أمرها ليستبين إن كان فيها أثر حمل (7).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(۱) كان الشيخ (قدس سره) في معرض تعليقه على خبر شهادة الإمام العسكري (عليه السلام) وفيه حضور الإمام المنتظر (عليه السلام) ووالدته السيدة الطاهرة نرجس (عليها السلام).
(۲) أي كتاب منتخب الأثر.
(3) منتخب الأثر: ٢/٤٠٦.
(4) كمال الدين ٢/ ٤٧٣.
(5) رجال النجاشي تحت رقم ٩٣٨.
(6) كمال الدين ٢/٤٧٦.
(7) كمال الدين ٢/٤٧٤.
المصدر: مليكة الروم (قراءة أصيلة في هويتها وسيرتها)، حسن يوسف بن نخي، ص305-307.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة