يعيش الإنسان المهتم بأمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حالة وجدانية خاصة، تتجاوز المفهوم النظري لانتظار الإمام، إلى الإحساس العميق بحاله، والتفاعل مع غربته ووحدته، وكأنّ الوجدان يتماهى مع الإمام لا بوصفه شخصية مغيبة، بل كإنسان حيّ يعيش بيننا، يعاني هموم الأمة، ويتألّم من مظلومياتها.
فما معنى وحدة وغربة الإمام المهدي؟ وكيف يمكن أن يستشعر المؤمن هذه الحالة؟ وما الأثر العملي لهذا الاستشعار في حياتنا اليومية وديننا ومجتمعنا؟
أولًا: معنى وحدة وغربة الإمام المهدي (عج)
1. الوحدة والغربة في المفهوم الإنساني
الوحدة: تعني انعدام الأنيس والمساند والمشارك في الفكرة أو الهدف أو الطريق.
الغربة: تعني أن الإنسان يعيش بين قوم لا يعرفونه، لا يشاركونه العقيدة أو الهدف، وربما لا يفهمونه أو يعادونه.
2. وحدة الإمام وغربته من الناحية الروحية والاجتماعية
الإمام المهدي يعيش في مجتمع لا يعرفه، لا يتفاعل معه، ولا يدرك مكانته.
غريب بين الناس، لأنه يحمل مشروعًا إلهيًا عالميًا، بينما أكثر الناس غارقون في الدنيا، منصرفون عن أمره.
وحيد في نصرة الحق، لأنه لا يجد من يعي حقيقة قضيته ويكون له ناصرًا صادقًا.
ثانيًا: الأدلة على غربة الإمام من الروايات
وردت عدة نصوص في هذا المعنى منها:
« عن ابن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: صاحب هذا الامر الشريد الطريد الفريد الوحيد.
(بحار الأنوار - ج ٥١ - ص ١٢٠)
عن الإمام عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، يا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول عبيدي وإمائي آمنتم بسري، وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني، أي عبيدي وإمائي، حقا منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم أغفر وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء لولاكم لأنزلت عليهم عذابي. »
(مكيال المكارم - ج ٢ - ص ٢٧٥)
فالروايات تصف حال الإمام في الغيبة الكبرى بأنه غريب، طريد، لا يُعرف، ولا يُنصر، ولا يُفهم.
ثالثًا: كيف نستشعر وحدة الإمام وغربته؟
1. بالوعي المعرفي
دراسة سيرته، وقراءته بوصفه إنسانًا يعيش الغربة لا بوصفه رمزًا مغيبًا فقط.
معرفة حجم التحديات التي يواجهها وهو يراقب أمة جده تتناحر، وأرض الله تمتلئ بالفساد والظلم.
2. بالتفاعل الوجداني
الإحساس بأننا نعيش في عصر إمام غائب، لكنّه حاضر في الوجدان والمظلومية.
استحضار حالته عند الدعاء، في القنوت، في السحر، كأنك تدعو لأخٍ حبيب مغيّب.
3. بالمشاركة الشعورية
عندما ترى مظلومًا، استشعر أن الإمام هو أول من يتألم لذلك.
عندما ترى منكرًا، تذكّر أن الإمام يتألّم له ولا يستطيع الإعلان عنه.
عندما تُحارب قيم الدين، اعلم أن المهدي غريب لأنه غريب بقيمه أيضًا.
رابعًا: آثار هذا الاستشعار في حياتنا
1. زيادة الارتباط بالإمام
كلما أحسسنا بوحدته، ازددنا تعلقًا به، وانشدادًا لمشروعه.
نصبح لا نكتفي بالدعاء "اللهم عجل فرجه"، بل نضيف: "واجعلنا من أنصاره والمجاهدين بين يديه".
2. التمهيد العملي للظهور
استشعار غربة الإمام يعني أن علينا أن نُهيئ له الأرض الصالحة، وننصر قيمه.
نصلح أنفسنا ومجتمعنا ليكون أهلًا لعدالة الإمام وحكمه.
3. التخلق بأخلاق المنتظرين
الغريب هو من لا يشبه قومه في فسادهم؛ لذا من يستشعر غربة الإمام، يعيش "غربة قيمية" أيضًا.
يصبح غريبًا بين الناس، لأنه يرفض الظلم، ويعيش الصدق، ويستعجل الإصلاح.
خامسًا: كيف نواسي إمامنا في وحدته وغربته؟
1. بالدعاء الصادق
لا تجعل دعاء الفرج روتينًا، بل اجعل فيه قلبًا وروحًا، كأنك تناجي إمامًا مكلومًا.
2. بالمجالس والذكر
إقامة المجالس الخاصة لذكره، كـ "دعاء الندبة"، مجالس تذكّر الناس بحاله وحاجتنا إليه.
3. بالعمل السلوكي
لا يكفي أن ننتظر الإمام، بل علينا أن نكون مثله، نرفض الظلم، نحب المظلوم، نغار على الحق، وننصر الدين.
4. بنشر فكرته
نُعرّف الناس به، نكتب، نتحدث، نعلّم أبناءنا. فلا يكون غريبًا في أمته.
خاتمة:
استشعار غربة ووحدة الإمام المهدي ليس مجرد حالة عاطفية، بل هو موقف إيماني ينعكس على فهمنا لديننا، وعلى سلوكنا اليومي، وعلى علاقتنا بالمجتمع. فكلما ازددنا قربًا من الإمام في غربته، كنا أقرب إلى نصرته يوم ظهوره.
وحقٌ لمن أحبّ إمامه أن يعيش غربته، وأن يتشوق إلى لقائه، وأن يُهيّئ الأرض له حتى لا يبقى غريبًا بيننا.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة