ما هو الفرق بين عصر النبي وعصر المهدي ؟

, منذ 2 اسبوع 311 مشاهدة

الشيخ إبراهيم النصيراوي

هنالك فوارق أساسية، منها:

أولاً: النبي (صلّى الله عليه وآله) جاء في مجتمع جاهلي، والمجتمع الجاهلي هو الذي ليس عنده سابقة عن الدين الإسلامي، ولم يعرف عن الدين شيئاً، فجاءهم النبي بهذا الدين الجديد، والنبي تحيط به الأعداء من كل الجهات.

الإمام المنتظر (عليه السلام) حينما يأتي، الناس كلهم يرون بأن لا حل لمشاكلهم إلا الدين الإسلامي، ولا ملاذ إلا الدين الإسلامي، ولا ملجأ ولا خلاص إلا عن طريق الدين الإسلامي.

الآن الصحوة الإسلامية التي تملأ الكرة الأرضية، ماذا تعني هذه الصحوة الإسلامية؟

الصحوة الإسلامية تعني أن الناس استفاقوا إلى أن المنجي الوحيد من كل هذا العذاب الموجود هو الإسلام، فالإسلام هو الذي يضمن السعادة، والإسلام هو الكفيل بتحقيق الآمال.

فالإمام المهدي لما يأتي تلاحظ بأن الناس عندهم شوق إلى إقامة الحكم الإلهي، وإلى إقامة الإسلام، في حين أن النبي واجه الأخطار والأعداء المحيطين بدولته، الإمام المهدي (عليه السلام) - كما في الروايات - بأن الله (يصلح له الأمر في ليلة)(1) ويؤسس دولته العالمية، هذا أولاً.

ثانياً: النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أسس دولة في المدينة المنورة، أما في مكة فكان الجهاد متواصلاً بداية، لكن لما انتقل إلى المدينة المنورة - المدينة كانت تعرف بيثرب - لما دخلها النبي سميت بالمدينة لأن المدنية دخلتها على يد النبي وصار فيها قانون، وصارت دولة.

النبي لما أسس الدولة الإسلامية. أسسها وهي محدودة، أي أنها لم تنتشر لتسيطر على جميع الأرض، باعتبار أن المشركين قيدوا حركة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).

أما الإمام المهدي، فإن دولته تمتد لتشمل الأرض كلها.

ثالثاً: في عصر المعصومين كان استعمال التقية كثيراً رائجاً (التقية ديني ودين آبائي)(2)، أما في دولة الإمام المنتظر فإنه يندر استعمال التقية.

نأتي الآن إلى هذه النقاط بشيء من التفصيل:

قلنا أولا بأن دولة الإمام المهدي (عليه السلام) يسودها الحكم الواقعي لا الحكم الظاهري، وأضرب لك ثلاثة شواهد:

الشاهد الأول: الروايات تقول إن الإمام المنتظر (عليه السلام) إذا ظهر فإنه يقضي كما كان يقضي داوود (عليه السلام)(3) كيف؟ داوود كان يقضي بعلمه.

وعندنا أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان في القضاء يقول: (إنما أقضي بينكم بالأيمان والبينات).(4) بمعنى أنّه يأتي المدعي والمدعى عليه فالمدعي لابد عنده بينة أو شهود، فالنبي يقضي على طبق البينة ولا يقضي النبي بعلمه، هو يعلم ولكن لا يقضي بعلمه.

داوود (عليه السلام) إنما كان يقضي بعلمه، والقصة التي يذكرها القرآن، حينما دخل اثنان على داوود (عليه السلام) فقال له أحدهم: (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ)(5) قال له: هذا يريد أن يأخذ النعجة الواحدة التي عندي، طبعاً عندما أحد يسمع هكذا مسألة يتفاجأ ويقول له: أنت عندك تسع وتسعين لماذا تأخذ النعجة الواحدة.

داوود قضى بعلمه، فإنه يعلم مسبقاً أن النعجة لصاحبها، لهذا الشخص، فقضى من دون أن يسأل الطرف الثاني (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعاجِهِ) قضى له من دون تأمل ومن دون أن يسأل الطرف الثاني.

القرآن الكريم نبه داوود بأن هذه المرة مقبولة لكن في المرات الآتية أن تسأل البينة، اسأل الطرف المقابل.

الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من صفات دولته وحكمه أنه يحكم بعلمه ولا يسأل البينة ولا يأخذ الإيمان، إنما يقضي بعلمه.

وعلم الإمام إما عن طريق النبي، وإما عن طريق تحديث الملائكة، وإما عن طريق الإلهام.

الشاهد الثاني: أيضاً في الروايات أن أحد الأئمة سئل لماذا سمي الإمام المهدي بالمهدي؟ قال: لأنه يهدي إلى أمر خفي، فربما يرى الناس إنساناً لا ذنب فيقتله الإمام المهدي (عليه السلام).(6)

أي أن الناس - حسب الظاهر - يرون أن هذا ليس عنده ذنب فيأتي الإمام فيقتله، لأنّه (عليه السلام) يقوم بعملية تطهير للمجتمع وقلع لجذور الفساد وخلق مجتمع متكامل، وهؤلاء المجموعة الذين يقتلهم الإمام في ذممهم حقوق، منها حق القتل، فالإمام يقتص منهم لأنّه لا يوجد دليل خارجي يثبت القتل وهو يقضي بعلمه، فيقتلهم والناس يظنون بأنهم لا ذنب لهم، هذا أيضاً موجود.

ثالثاً: الإمام سلام الله عليه من خصائص دولته أنّه (عليه السلام) حينما يطبق الشريعة الإسلامية، يطبق الشريعة بكاملها، فيتصور كثير من الناس بأن هذه الأحكام جديدة، لأنها هي غير معهودة ولم يكونوا على اطلاع بها ولم يعرفوها من قبل، وهذا وبسبب التعتيم بسبب الجور الذي كان مخيماً عليهم، فيتصورون بأن هذه القضايا التي جاء بها الإمام سلام الله عليه هي أمور غريبة عليهم تماماً، هذا بالنسبة إلى الأحكام الثابتة.

وأما بالنسبة إلى الأحكام المتغيرة، قلنا بأن دولة الإمام المهدي سوف نرى فيها إن شاء الله إذا كنا من الأحياء عند الظهور، نرى فيها كثيراً من الأحكام الولائية.

ما هي الأحكام الولائية؟! الحكم الولائي هو الذي يظهر عند الاقتضاء، وللتوضيح أضرب لكم بعض الأمثلة، مثلاً التسعيرة، أي تحديد أسعار المواد، ففي الشريعة الإسلامية ليس عندنا تسعيرة، أي أحد يسعر البضاعة التي عنده كيفما يشاء، لكن ولي الأمر من أجل حفظ النظام يضع تسعيرة معينة لكل مادة من المواد، فهذه التسعيرة تكون حينئذ ملزمة.

فالحكم الثابت هو عدم التسعيرة، والحكم الولائي المتغير التسعيرة التي يضعها الإمام التي يضعها ولي الأمر.

في زمان الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) تظهر جملة من الأمور الولائية مثلاً - حسب الروايات الواردة - أن الإمام سلام الله عليه إذا ظهر فإنه يحكم كما حكم سليمان بن داوود في الأمر الولائي، فالقرآن يذكر بأن داوود وسليمان عرضت عليهما مسألة من المسائل في زمانهم، المسألة هي هكذا: بأن إنساناً عنده مزرعة وجاءت غنم لشخص، هذه الغنم دخلت إلى المزرعة وأكلت منها فأفسدت الزرع، الحكم المترتب على هذه المسألة أن الغنم إذا دخلت إلى مزرعة ليلاً فيكون الضمان على صاحب الغنم، أما إذا كان الدخول بالنهار - يعني الغنم دخلت نهاراً – فحينئذ لا يجب الضمان لأن صاحب الغنم عليه أن يحفظ غنمه ليلاً، فإذا وقع الإفساد نهاراً فلا ضمان، فكان الحكم في هذه الواقعة أنه يجب الضمان، لكن داوود وسليمان ما هو الضمان، فهذا أمر متغير، داوود (عليه السلام) قال: بأنه يرى أن الغنم تعطى إلى صاحب المزرعة، لأن زرعه فسد، فبمقدار زرعه نعطيه من الغنم، أي بقدر قيمة الزرع نعطي إلى صاحب المزرعة، أمّا سليمان (عليه السلام) فحكم بأنّه لا يأخذ الغنم وإنما يأخذ نتاج الغنم، يعني يعطوه من الحليب أو من الأولاد أما نفس الغنم فلا تعطى إليه.(7)

فإذن صار الحكم مختلفاً لأنه حكم ولائي حسب ما يراه من المصلحة.

فالإمام (عليه السلام) في دولته يضع أحكاماً ولائية كثيرة من هذه الأحكام - مثلاً - أن الإمام (عليه السلام) يضع نظاماً للمرور.

وقد ورد هذا في الروايات - حتى تعرف النظرة إلى دولة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - ففي بعض الروايات ورد أن الإمام يضع نظاماً للمرور، وهذا من الأمور الولائية.

فمثلاً يقال لتنظيم المرور: أيها الركاب أو معاشر الركاب أو معشر الركاب سيروا في وسط الطريق، يعني الطريق للراكب، ومعشر الراجلين كونوا على جانب الطريق، وأيما إنسان راجل مشى في وسط الطريق

وتضرر فلا دية له أبداً، هكذا الإمام يضع حكماً للمرور وينظم العملية، وهذا يكون حكماً ولائياً.

الإنسان عندما يرى هكذا أحكام بعد فترة طويلة أو بعد غيبة طويلة ماذا يتصور! يتصور بأن هذا الدين هو دين جديد لم يكن معتاداً عليه سابقاً.

وليس بالضرورة أن هذه الروايات كلها نحكم بصحتها، لكن بالجملة توجد عندنا هكذا روايات.

الخلاصة: أن الإمام لما يأتي بهذه الأحكام الواقعية والأمور الولائية يتصور الكثير من الناس بأن الإمام جاء بدين جديد غير الذي جاء به النبي المصطفى محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كمال الدين للصدوق ج١: ١٥١.

(2) عوالي اللآلي لابن أبى جمهور ج٢: ١٠٤، البحار للمجلسي ج٢: ٧٤...

(3) راجع شرح الأخبار للقاضي النعمان ج٣: ٥٦١، كتاب الغيبة للنعماني: ٣١٥...

(4) الكافي للكليني ج٧: ٤١٤، دعائم الإسلام للقاضي النعمان ج٢: ٥١٨.

(5) عوالي اللآلي لابن أبى جمهور ج٢: ١٠٤، البحار للمجلسي ج٢: ٧٤...

(6) راجع شرح الأخبار للقاضي النعمان ج٣: ٥٦١، كتاب الغيبة للنعماني: ٣١٥...

(7) الكافي للكليني ج٧: ٤١٤، دعائم الإسلام للقاضي النعمان ج٢: ٥١٨.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0492 Seconds