مما ورد عن رسول الله (ص) في موضوع الامام المهدي عج وظهوره المقدس قوله ”لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلًا من أهل بيتي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا“
إن هذا الحديث الشريف يضعنا أمام محاور ثلاث.. نتعرض لها بشكل موجز:
المحور الأول: التوفيق بين الغيبة ووظائف الإمامة.
مما تسالم عليه أرباب العلوم الانسانية كافة ولاسيما علماء الكلام، أن المجتمع البشري لاينفك عن حاجة ماسة لوجود جهة حاكمة تقوده وتعمل على تنظيم شؤونه وتطبيق القوانين الرامية لتحقيق العدل فيه.
وهذه القيادة تجمع في كيانها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وفي شخص الحاكم الاعلى فيها.
وفيما يخص الاسلام كرسالة الهية تحمل الناس كافة الى النظام الاصلح، فإنه مهما دارت الآراء وتباينت الاطاريح، تبقى فكرة الامامة التي تعني اصطفاء الله للأئمة المعصومين (ع) خلفاء يحكمون بأمره، هي الاكثر رسوخا في جادة العقل والمنطق، بما تحتويه من انسجام تام مع اللطف الالهي وما يقتضيه من عدم ترك الله الناس دون هداية وهادٍ
غير أننا حين نأتي الى الواقع التاريخي لسيرة اولئك المعصومين (ع) نجد انهم قد مارسوا أدواراً محدودةً ـ قياسا لحجم دورهم الحقيقي في الامة ـ ولعل في مقدمة تلك الادوار المحدودة هو وجودهم المبارك وتماسهم الفاعل لواقع لحياة والمجتمع.
هذا بالنسبة للائمة المعصومين (ع) فيما خلا الامام الثاني عشر المهدي المنتظر (عج) الذي اقتضت حكمة الله أن لا ينعم المجتمع البشري بوجوده الظاهر والتماس المباشر مع أفراده.
و يؤدي بنا هذا الى إشكالية فكرية ملحة، على المنظومة الشيعية ان تتفادها أو تقع دعوى الامامة فيها في تناقض وتعارض..
والاشكالية هي: كيف نجمع بين تحقق وجود القائد الالهي المستمر مع وجود المجتمع الانساني وبين غيبة الامام الثاني عشر من ائمة أهل البيت (ع) التي كانت منذ وفاة الامام الحسن العسكري (ع) والى يوم الظهور الكائن في علم الله وحده؟
وإن غياب الامام المهدي (عج) عن واقع المجتمع البشري يعني امكانية تحقق سلطة حاكمة من غير الامام المعصوم!
وفي مقام الرد نقوم بتبيان نقطة هامة، وهي :
أن الائمة الاطهار (ع) موكل اليهم مهام ووظائف، قد فرض الواقع المعاش من قبلهم حدودا للقيام بها، فالسلطة التشريعية والتنفيذية التي كان من المفروض ان يتسلموها (سلام الله عليهم) وتكون لهم القيادة المطلقة، قد تخلوا عنها الى حدود أضيق، فإن الغيبة الكبرى تعني اضطرار المهدي الامام (عج) الى الاقتصار على حدود اخرى في تلك المهام والوظائف.
ومن الوظائف التي ينهض بها الامام المهدي (عج) في غيبته:
1. الهداية:
جاء في الذكر الحكيم قوله ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ و ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ وهاتان الآيتان تشيران الى نمط من الهداية لايتم عن الطريق المعروفة كالمشافهة والكتابة.. بل هي الهداية الامرية التي بمقتضاها يقوم الامام (عج) زرع نور الهداية في الآخر إذا كان ذلك الآخر معدًا لتلقي النور.. أي بث الايمان والصلاح في القلب عن طريق التأثير الروحي.
2. وجاء قوله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. إن معنى الذكر الوارد في هذه الآية يتجاوز في مدلوله، لوح التشريع الإسلامي المتجسد بالقرآن الكريم والأحاديث القطعية الصادرة عن المعصومين (ع)، الى حملة الذكر وهم المعصومون (ع) بذواتهم المقدسة. فبقاء الامام المهدي عج تعبير فعلي لحفظ الذكر وإن كان ذلك الحفظ بشكل غيبي محجوب عن الناس. سيما أن الامام المهدي عج لايفتأ ـ في غيابه ـ عن مد الامة بضرورات مايلزم من التشريع الحق عن طريق الاتصال المباشر أو غير المباشر بالعلماء المؤثرين في الأمة، والعمل على صيانته من التحريف والتزوير.
3. الحجية: متى ما اختلفت الأمة في مقالة، متى ما أرادت الأمة أن تبرهن على حكم شرعي، فهناك حجة نصبه الله يُرْجَع إليه، قوله، فعله، تقريره، سكوته، كلامه، صمته، حجة، كل ما يصدر منه فهو موقف، كل ما يصدر منه فهو حجة، هو حجة في جميع شؤونه. الحجية وظيفة من وظائف الإمام، فالإمام حجة، وهذا ما أشارت إليه النصوص الشريفة: ”لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها“.
4. قيادة الامة: لم تكن ممارسة القيادة وتسيير الامور الهامة رغم الحواجز والموانع أمرا محصورا بالامام المهدي عج، فالعديد من الائمة المعصومين ع مارسوا تلك القيادة بشكل وصل به الحال ان يكون سريا، كما هو الحال في الامام الكاظم (ع) الذي عاش سنوات طويلة في ظلمات الطوامير محجوبا عن الناس.
والإمامان الهاديان العسكريان علي الهادي وابنه الحسن العسكري وقد وضعا تحت الإقامة الجبرية وتحت الرقابة المشددة حتى ان الإمام العسكري كان يجيب عن المسائل من خلال زقاق السمن، فيؤتى إليه بظرف للدهن، فيظهر الامام (ع) وكأنه الإمام يشتري هذا الظرف ويدفع أمواله، من خلال هذا الظرف - ظرف الدهن - يجيب عن المسائل ويوصلها إلى شيعته في ذلك الوقت.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة